حقوق الطفل الضائعة
بالرغم من كثرة الاحتفالات العامة لمناسبة يوم الطفل العالمي، وتذكير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية للحكومات الموقعة على المعاهدات والبروتكولات الدولية، بشأن حماية وصيانة حقوق الأطفال، وجعلهم قادرين على تحقيق أحلامهم وأمانيهم وتطلعاتهم لتربية جيدة وصحة ممتازة ونمو طبيعي وحياة أفصل، تماشياً مع أهداف إعلان جنيف لحقوق الطفل المعتمد لدى عصبة الأمم في العام 1929 الذي شدد على: «أن الإنسانية مطالبة بمنح الطفل خير ما لديها» واتفاقيات حقوق الطفل المعتمدة في الأمم المتحدة في العام 1959 و1989، التي تشدد بشكل واضح على أهداف تنمية ورعاية الأطفال وضمانات التطور الكامل للطفل وحاجته للصحة والعناية التامة بالتغذية وتوفير الاهتمام باللعب والتعليم وغيرها من الحاجات الأساسية الضرورية للعيش في أجواء اجتماعية واقتصادية وتربوية وصحية ونفسية ملائمة، إلا أن غالبية الحكومات الموقعة على المعاهدات والبروتكولات الخاصة بحماية حقوق الأطفال، ظلت عاجزة عن تنفيذ التزاماتها الوطنية والدولية بشأن الأطفال وتمكينهم من الحصول على حقوقهم المشروعة في الصحة والرعاية والتعليم واللعب والعناية بالتغذية، وحمايتهم من الأمراض المعدية والإيذاء الجسدي والنفسي واستغلالهم في الدعارة والأعمال الشاقة والمضنية والاسترقاق والتسول واستخدامهم في الحروب، بل إن هناك بعض الحكومات مازالت تمارس حملات الاعتقال التعسفي وتوقيف الأطفال القاصرين قيد التحقيق في مراكز الأمن، وتعرضهم لحالات سوء المعاملة والعنف الجسدي والنفسي.
وبالرغم مما تقوله الأمم المتحدة، من أنها نجحت في تخفيض نسبة 28 في المئة من معدلات وفيات الأطفال عبر العالم خلال العشرين سنة الماضية من مليون طفل سنوياً في العام 1990 إلى قرابة 8.8 ملايين طفل في العام 2008، بعد اتخاذها تدابير مهمة بالتصدي لبعض الأمراض المعدية ووباء فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) واستغلال دعارة الأطفال والاسترقاق وتعرض الفتيات الصغار لممارسة الختان وزواج الأطفال، فإن الأرقام تؤكد على وجود أكثر من مليار طفل حول العالم، يعانون من اشتداد وطأة الفقر والجوع والحرمان من التعليم وعدم الرعاية الحكومية والأسرية، وتخلي بعض الآباء والأمهات عن فلذات أكبادهم نتيجة عدم القدرة على تربيتهم بسبب الفقر، بينهم قرابة 24 ألف طفل دون سن الخامسة، يلقون حتفهم سنوياً بسبب الحرمان من مختلف العناصر الأساسية للعيش في الأجواء الصحية والنفسية الملائمة وتوفير الغذاء الجيد، وبخاصة في أوقات الحروب والأزمات الاقتصادية الخانقة.
وقال تقرير أعده معهد «البحوث الدولي للسياسة الغذائية» للبنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي، في أواخر السنة الماضية، إن أكثر من 25 مليون طفل في مختلف مناطق العالم سوف يتعرضون للجوع والمرض بحلول العام 2050، حيث سيؤدي التلوث البيئي، إلى نقص في الطعام، وارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية كالقمح والأرز والذرة، ما ينعكس بصورة كبيرة في ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال وانخفاض مستوى الأعمار وتفشي أمراض سوء التغذية في العديد من بلدان العالم النامية والفقيرة.
وفي الوقت الذي تتجاهل فيه الحكومات ذات النظم الاستبدادية القمعية، أوضاع الأطفال وحاجاتهم لصحة جيدة وعناية بالتغذية ورعاية جسدية ونفسية وتعليم مستمر وبرامج ترفيه، وتضرب بعرض الحائط التزاماتها الوطنية والدولية تجاه الأطفال، تبذل حكومات الدول التي تعد ذات جذور عميقة في نظمها الديمقراطية ودساتيرها الوطنية، قصارى جهدها لتحقيق ضمانات أفضل للأطفال ورعايتهم وحمايتهم من الاضطهاد وسوء المعاملة والاستغلال، وتمكينهم من الحصول على كامل حقوقهم المشروعة، وتشجيعهم على التعليم واكتساب المهارات والاعتراف بإنجازاتهم الشخصية، وفتح الفضاءات الخاصة لرعايتهم ومساعدتهم في شتى مناحي الحياة العامة.
ونعتقد أن يوم الطفل العالمي الذي احتفت به معظم شعوب وحكومات العالم، قبل أيام (20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010)، سيكون مناسبة جيدة لإعادة تذكير الحكومات التي لم تكن قادرة، على تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية لصالح الأطفال، وتلك التي لم توقع على اتفاقية حقوق الطفل حتى الآن، مثل الولايات المتحدة الأميركية والصومال، بأن تتحمل مسئولياتها الوطنية، من أجل تأمين كافة احتياجات وحقوق الأطفال وصون كرامتهم وطفولتهم، والانضمام إلى المعاهدات الدولية المعنية بحقوق الأطفال التي تهدف إلى تجسيد كرامة الطفل والدفاع عن كافة حقوقه المشروعة.