البؤساء قبل الأثرياء في «فعل الخير»
لا يختلف اثنان على أن الفقراء والبؤساء هم أكثر تسامحاً وتعاطفاً من الأثرياء مع الغرباء عندما يلتقون، وهم يبادرون بتقديم المساعدة وبالتبرع بأموالهم للمحتاجين والمعوزين، ويساهمون بجزء من مدخراتهم إلى الجمعيات الانسانية الخيرية بنسبة أكبر من الأغنياء، ويناضلون ويشاركون في الثورات الوطنية من أجل الحرية والديمقراطية والسيادة، دون سواهم من البرجوازيين والاقطاعيين وسماسرة التجارة والاقتصاد، فبحسب دراسة نشرها مكتب العمل في الولايات المتحدة الأميركية، أن الطبقات الفقيرة والكادحة تسارع بتلبية دعوات المساعدة والتبرع بأموالها للمحتاجين والمعوزين أكثر من الأثرياء وأباطرة المال، وثروتهم الوحيدة هي «القناعة» بما كتب عليهم من أرزاق الله.
واستناداً إلى هذه الدراسة يتبرع قرابة 20 في المئة من الأميركيين من ذوي الدخل المحدود بنحو 2.1 في المئة من مدخراتهم، أما أصحاب الدخل المتوسط فإنهم يتبرعون بنحو 3 في المئة من مداخيلهم، ما يعني البرهنة على أن الفقراء هم أكثر إحساساً بالمشاعر الإنسانية والأخلاقية والمشاركة في أعمال الخير، من الأغنياء الذين يجنون فوائدهم من السمسرات وصفقات التجارة وامتصاص دماء الكادحين من الفقراء والمعوزين، التي هي الآن في ذروة ازدهارها رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، ويعيشون حياة الرغد والبذخ، ولا يخافون ولا يرجفون.
مؤخراً قالت دراسة جديدة نشرها موقع «لايف ساينس» الأميركي، وأعدها باحثون في جامعة كاليفورنيا، إن الفقراء أكرم من الأغنياء، حيث أثبتت تجارب عديدة عن أن ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الجيد هم الأسوأ في الحكم على مشاعر وآلام الآخرين، مقارنة بذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتواضع، عند النظر إلى أشكال التصرف الشخصي مع الأفراد على أرض الواقع.
والسبب يعود – بحسب الباحثين – إلى أن ذوي الدخل أو التعليم المتواضع جداً، دائماً يكونون أكثر طواعية واستجابة للآخرين بقصد الحصول على ما يريدون، ولذلك فإن الفقراء يبدون أكثر استجابة من الأغنياء عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع وضع الآخر.
وهذا، يذكرنا بزوجين مسنين من إحدى العائلات الفقيرة، في كندا فازا في الأشهر الأخيرة من هذه السنة، بمبلغ 10.9 ملايين دولار كندي في جوائز اليانصيب الوطني، وقررا أن يتبرعا بالمبلغ لجماعات معوزة في بلدتهم ولبعض أفراد الأسرة والمقربين، وبعض الكنائس والمقابر والمستشفيات والجمعيات الخيرية، لأنهما ليس بحاجة إلى جمع الأموال وتخزينها.
عمل مدهش للغاية إذا ما نظرنا إلى أساس الطبيعة الإنسانية التي وصفها نيقولا ميكافيللي بـ «مخزن أطماع» الأنانية والفردية والمصالح المادية، مثله هذان الزوجان، في «نموذج» المساواة والمكرمات.
وعلى رغم هذه الصورة الإنسانية الصادقة والمفرحة التي يتميز بها الفقراء والبؤساء في السباق لأعمال الخير، فإن هذه الظاهرة الإنسانية والأخلاقية الرائعة، لم تترك أي أثر في قلوب الأثرياء والمليارديرات، في معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي مازال يسودها الجشع والفساد والأنانية والمصالح المادية والاستعلاء واستعباد الناس وقهر الآخر.