فقراء الاتحاد الأوروبي

يواجه أكثر من مئة مليون إنسان في دول الاتحاد الاوروبي، خطر العزلة الاجتماعية والتعاسة والفقر، بعد عقود طويلة عاشتها بعض شعوب القارة الأوروبية في بحبوحة الرفاه الاجتماعي والاقتصادي المفرط، التي أقرتها قوانين الحرية والمساواة والشراكة والتوزيع العادل للثروة الوطنية.

فقد كشف التقرير الاجتماعي والاقتصادي الصادر مؤخرا عن المركز الأوروبي للاحصاء (يوروستات) تحت عنوان «الدخل وظروف الحياة في اوروبا» عن وجود أكثر من مئة مليون إنسان في 27 دولة أوروبية، يعانون من وطأة التعاسة والفقر، نتيجة الازمات والهزات الاقتصادية الشديدة، التي أجبرت معظم دول الاتحاد، بما فيها الدول ذات الاقتصادات القوية العملاقة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وهولندا والسويد والنرويج والدنمارك، على انتهاج عمليات الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي وربط الأحزمة وفرض ظروف التقشف.

ويشير التقرير، إلى وجود قرابة 81 مليون شخص، أي مايعادل 17 في المئة من سكان الاتحاد الاوروبي، كانوا عرضة للحرمان والتعاسة والفقر والبطالة منذ العام 2008، غالبيتهم يعيشون في رومانيا وبلغاريا ولاتفيا، حيث إن نحو 42 في المئة، من سكان هذه الدول، ظلت حياتهم مهمشة ويعانون من الحرمان الشديد، وانعدام القدرة على دفع بعض الفواتير، وامتلاك سيارة وهاتف وأثاث مقبول والمحافظة على التدفئة في المنازل، في حين تقلصت هذه المعايير في دول مثل هولندا وإسبانيا ولوكسمبورغ والسويد والدنمارك والنرويج، حيث تضيق هناك الفوارق الطبقية، بقدر ما تتسع قوانين واجراءات المساعدات الاجتماعية والاقتصادية والصحية الحكومية الممنوحة للطبقات الفقيرة.

ويقدر التقرير، أن أكثر من 116 مليون إنسان يعيشون في دول الاتحاد الاوروبي، هم عرضة لواحدة على الاقل من تلك الاوضاع المعيشية الصعبة، وسبعة ملايين فقط كانوا عرضة لها كاملة، ما يعني ان قدرة الفرد على التكيف مع حياة مجتمعات الرفاهية، التي تشتهر بتنوع الاقتصاد الحر وديمقراطية المنافسة والبدخ المفرط، أخذت تتضاءل أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة.

وذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي للعام 2010، أن بلدان الشمال الاوروبي وخاصة السويد والدنمارك والنرويج، التي تتمتع بأنظمة اجتماعية واقتصادية متطورة، وانخفاض في مستويات البطالة، هي من أكثر دول القارة الاوروبية، قدرة على الصمود في مواجهة الازمات المالية التي تعصف ببلدان القارة وعلى المستوى العالمي، نتيجة أدائها المتقدم في محاولات مقاومة الفقر، ولكن بالرغم من ذلك ترى تقارير اخرى، أن هناك بعض الخلل في انظمة المساعدات المعمول بها حالياً بشأن معالجة أوضاع الفقر والتهميش والبطالة، فقد كشفت آخر تقارير الحركة العمالية الدنماركية، عن انتشار مظاهر الفقر والتعاسة بأرقام قياسية في البلاد، حيث تجاوز عدد الفقراء عتبة الـ 300.000 الف فقير منذ العام 2001، نتيجة إجراءات التقشف الحاد، التي مارستها حكومة الائتلاف اليميني، بالرغم من معارضة فئات وشرائح كثيرة في المجتمع، بتقليص المساعدات الممنوحة لذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل والتقاعد المبكر، ويعتبر الاطفال في الدنمارك من أكثر الفئات الاجتماعية تضرراً، من إجراءات التقشف الراهنة، حيث يعيش أكثر من 31 ألف طفل تحت سن (18 عاما) وسط عائلات تعاني من عسف هذه الاجراءات.

ومعروف ان سياسات التقشف في الدنمارك التي بدأت منذ خمس سنوات على الأقل، قد أحدثت تغييرات جذرية في حياة الناس الفقراء وخاصة العمال البسطاء والطلاب والمهاجرين، فيما الاثرياء في البلاد، يزدادون ثراء.

وفي السويد، أظهر تقرير صادر عن مكتب الاتحاد العام للنقابات، حول «الفوارق الطبقية» في المجتمع، أن أعداد الفقراء في البلاد في تصاعد مستمر، حيث لايتخطى دخل الفرد أكثر من 15 في المئة وخاصة بين العاطلين والمرضى والتقاعد المبكر، فيما يتضاعف دخل الاغنياء إلى أكثر من 88 في المئة، ما يعني أن الفوارق الطبقية تبدو واضحة وعميقة، بين الفقراء والاغنياء في السويد، بأوجهها الاجتماعية والاقتصادية والمعطيات المحيطة بها.

وفي النرويج، يعتبر كل فرد يقل دخله عن 120 الف كرونة (قرابة 20.04497 ألف دولار) سنوياً هو في عداد الطبقات الفقيرة.

لقد أوجدت الازمة الاقتصادية العالمية، حالة ضياع وبحث موسع، عن مخارج ايجابية كفيلة بالتخفيف من وطأة وبالها على الفقراء، فالأزمة التي مازالت تتخبط بها بعض اقتصادات الدول الاوروبية وبخاصة الفقيرة، أصبحت تدعم آليات التهميش والظلم الاجتماعي، التي بدأت تغير من منظومتها الانسانية والاخلاقية القائمة منذ زمن بعيد على مبدأ التكافل والتعاون والتوزيع العادل للثروة الوطنية، إلى تلك المبنية على مبادئ القمع الاقتصادي والاجتماعي ورفع اسعار الغذاء والدواء والوقود وقتل فرص العمل، بذريعة معالجة الازمات والصدمات الاقتصادية المخيفة، ومحاربة الفقر والاستمرار في وضع المشاريع والبرامج التي تمارس فيها الحريات على مستوياتها المختلفة وتعزيز دعائم الاقتصاد الوطني، وتوسيع مبدأ التنافس الحر، وغير ذلك من المبررات التي قد تزيد من الأعباء على الفقراء.

Loading