كارين… ومطلقة سلماباد

في رسالة استغاثة من أوضاع مزرية، نشرتها صحيفة «الوسط» في 24 ديسمبر/ كانون الاول 2010 لامرأة بحرينية مطلقة تعيش مع أطفالها الاربعة في شقة مقفرة بسكن العمال الاسيويين في سلماباد، وسط القلق المشوب بالخوف من ممارسة أية «أعمال شيطانية» لغرباء، ضد مواطنين آمنين، لم تندهش الغالبية، كثيراً لهذا الحدث الذي يعتبر بكل المقاييس «جريمة لا تغتفر» بحق إنسانة مضطهدة وأطفالها الابرياء.

هذه العائلة التي ضاقت بها سبل العيش والسكن الآمن، ولم تجد من سبيل للعيش الهانئ، برغم ما قد يجدونه من عزاء في المبلغ الزهيد المتواضع جدا الذي يحصلون عليه من «مساعدات وزارة التنمية الاجتماعية» الممنوحة لبعض العائلات الفقيرة والمعدمة، سوى «الصحافة» بوصفها السلطة الرابعة والمؤثرة على مستوى المجتمع، يشكون لها أمرهم؛ لانهم ربما أصبحوا يرون مشاهد مألوفة من هذا النوع في حياة المرأة، في بلد لايزال يستقبل بين آونة وأخرى عشرات الآلاف من العمال الاجانب، أطلقت لهم القوانين والاجراءات الجديدة العنان، في ظل غياب الرقابة المحكمة.

إن قصة المواطنة أم حسين، التي قالت للصحافة قبل قرابة عامين، انها تسكن مع 21 شخصا في بيت واحد، وسبعة اشخاص في غرفة صغيرة بها دورة مياه واحدة ومطبخ صغير، وكذلك المواطنة الاخرى أم علي التي قالت إن لديها 8 أطفال وتعيش في غرفة مبنية من الخشب ودورة المياه هي المطبخ، والطفلة البريئة في سن الخامسة، التي تعيش مع والدتها في غرفة خشبية (راجع «الوسط»، العدد 2031، السبت 29 مارس/ آذار 2008) مازالت حاضرة في أذهان الناس، وتشكل إحراجا للمسئولين عن سياسات الاسكان وتمويل العائلات البحرينية الفقيرة.

لم يكن أمر مطلقة سلماباد، برغم تسابق بعض المواطنين الاوفياء من أصحاب النخوة والقلوب الرحيمة والمبادرات والمسئولية الانسانية والاخلاقية العالية، الذين سارعوا بالوقوف إلى جانب امرأة من بنات جلدتهم، تصارع هموم الحياة وتكابد من أجل كسب لقمة العيش وحماية ورعاية أطفالها بعد كارثة الطلاق القاسية والمؤلمة، ووجدوها تصرخ من أعماق قلبها «أنقذوا أولادي من الهلاك والتوحد، فنحن بشر مثلكم» مفاجئا للكثيرين ممن يعرفون بواطن الامور في البلاد، رغم شعورهم بالاسى، بعد أن أصبحت لكل امرأة بحرينية تقريبا، قصة مؤثرة ومفجعة، في حياتها اليومية العادية، سواء مع العائلة والاقرباء، أو مع تقاليد وقيم المجتمع، نتيجة غياب إجراءات صيانة حقوقها وحمايتها والدفاع عنها من مختلف المخاطر المتربصة بحياتها العائلية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والثقافية وغيرها، التي تكمن في غياب التشريعات والاجراءات المعنية بحقوق المرأة، واستقلالها الاقتصادي، والانطلاق من الاحكام المتسرعة على المرأة البحرينية، بأنها لاتزال في احوال غير كافية لتدبير شئون حياتها وامورها العائلية والتربوية، وضعيفة وغير مستقلة الرأي، على غرار ما يحدث الآن في البلاد، من صراع محتدم، على قانون الاحوال الشخصية، الذي لايزال حتى الآن موضع جدل بين السلطة وفئات واسعة في المجتمع.

كارين… المطلقة في الدنمارك

واذا كانت مطلقة سلماباد وأطفالها الاربعة، المحرومون من حنان الابوة والمسكن الملائم واللائق والمساعدة الاجتماعية والمالية المجزية، وخيبة أملهم بأنهم على الاقل يستحقون أن يعاملوا كغيرهم من البشر ومن أبسط حقوق المواطنة المشروعة التي كفلها دستور البحرين، والشرائع الدولية وجميع الاديان، صاروا يلجؤون لاستجداء الناس الطيبين من المواطنين لحل معاناتهم ومشاكلهم المؤلمة، بعد أن خابت آمالهم في أن يحصلوا على حقوقهم كمواطنين، في الرعاية الاجتماعية الحقيقية والسكن الملائم والخدمات العامة، فان كارين الامرأة الدنماركية المطلقة وأبناءها الستة، يعيشون حياة آمنة ومستقرة في سكن ملائم مستقل ومكون من خمس غرف ومطبخ ودورة مياه وأثاث فاخر، على قاعدة النص الدستوري الذي يقول: «لكل مواطن مسكن يؤويه ويحميه من الضياع والتشرد» ومرتب شهري للأم المطلقة، يزيد عن 12 ألف كرونة دانماركية (ما يعادل 2,400 دولار) كمخصصات اجتماعية حكومية، للمساعدة على أعباء (حياة التوحد وغياب المعيل) ومصاريف الاطفال، إضافة إلى النفقة الابوية الشهرية ومبالغ مساعدات الاطفال التي يقدمها صندوق رعاية الطفولة كل ثلاثة شهور لاطفال العائلات جميعا بمقدار 2600 كرونة (ما يعادل 480 دولاراً) لكل طفل حتى بلوغ سن الثامنة عشر، والاستفادة التامة من خدمات التعليم والرعاية الصحية المجانية، كحق من حقوقهم المشروعة التي كفلتها القوانين ونصوص الدستور.

في الدنمارك، وبفضل قوانين العدالة الاجتماعية والمساواة والتوزيع العادل للثروة الوطنية، والاجراءات التي تحفظ للانسان كرامته، أصبح الدعم الاجتماعي مقررا ثابتا لكل مواطن ومواطنة، كما هو حق السكن والصحة والتعليم والعمل ورعاية الشيخوخة، لان ذلك هو من مسئولية الدولة الدستورية أن تحترم إرادات شعبها والتزاماتها الوطنية والدولية ذات الصلة بحقوق الانسان.

لقد كان كل هذا الذي سبق، ظاهرة اجتماعية، حاولت من خلالها توضيح الاختلاف في واقع اكتساب الحقوق في دولتين تحاول كل منهما في جميع المناسبات والمحافل العالمية، النأي بنفسها، عن الانتقادات أو التهم الفاضحة وخرق الحريات، عندما تفتح ملفات المحاسبة الدولية، المتعلقة بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان، ويمكن للمراقب أيضا أن يقول كلمته في هذا الشأن

Loading