هايتي… وتداعيات زلزال القرن
أحيت هايتي في الثاني عشر من يناير/ كانون الثاني 2011، الذكرى الأولى لضحايا الزلزال الذي عصف بالبلاد، وخلف وراءه دماراً هائلاً في الأرواح والممتلكات والمزروعات، في أفقر دولة في الجزء الغربي من العالم، قدرت بحسب مصادر الأمم المتحدة بنحو ثلاثة ملايين إنسان بين قتيل وجريح ومفقود، وخسائر اقتصادية كبيرة بمليارات الدولارات، وكان من بين القتلى طبيبة الأطفال البرازيلية المتطوعة في العمل الشعبي والمرشحة لجائزة نوبل للسلام في العام 2006، زيلدا أرنيس، وأكثر من 110 أشخاص من الموظفين والعاملين في الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام الدولية.
وعلى الرغم مما أثارته هذه الكارثة المرعبة الممتدة في ربوع البلاد، من مظاهر الحزن والقلق المشوب بالخوف، على مستقبل ملايين الناس في كافة المناطق المنكوبة، من صنوف الحرمان والجوع والتشرد، حيث أبدى المجتمع الدولي تعاطفه مع شعب هايتي في محنته، وحيث عرضت عدة دول غنية في العالم، رغبتها في مساعدة جميع الضحايا، بعد الزلزال مباشرة، بتقديم المساعدات المالية والعينية، على وجه السرعة، لكي تتمكن حكومة هايتي، من محو الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، التي خلفها أكبر زلزال بيئي في هذا القرن، إلا أن كل هذه الوعود الرنانة والتطمينات، ظلت مجرد وعود عارية من المصداقية والواقعية، فمسألة إمكانية تبني المجتمع الدولي مشاريع اقتصادية واجتماعية، تخفف من وقع الزلزال وتؤمن حياة أفضل لكل ضحاياه، خلال فترة قصيرة من الزمن، تثير لدى شعب هايتي، تساؤلات كبيرة بالحجم الذي أثارته أهوال هذه الكارثة، لأنه بعد مرور عام كامل من الوعود، لم يجد ضحايا الزلزال، من شيء سوى استمرار المعاناة والعيش في ظروف غاية في الصعوبة، ويمكن أن تشكل أجواؤها للأطفال والمسنين، تأثيرات سلبية نفسية وجسدية مرعبة، حيث لايزال ملايين الناس في هايتي، يعيشون في مخيمات في العراء، ويحصلون بالكاد على كسرة الخبز، من دون أن تستطيع الحكومة والمجتمع الدولي التصدي لمعاناتهم وقلقهم من مشهد المستقبل.
تبدو الأشياء اليوم في هايتي، وكأنها منذ عام مضى، أصبحت مجرد ذكرى عبر الإعلام، و لم تجد من يحمي أهلها من هول الكارثة المرعبة، فالواقع الإنساني المؤلم والخطير، لايزال يراوح في مكان الحدث، وكلمات التأسف والحزن على جميع القتلى والمفقودين والمشردين، والتعهدات المتكررة، التي قطعها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، على نفسه وأمام المجتمع الدولي «بمواصلة التضامن مع شعب هايتي في وجه تحديات الفترة القادمة»، خلال أداء الصلاة إلى الله، والتضرع له، بأن ينقد شعب هايتي من محنته، في كنيسة صغيرة بمقر الأمم المتحدة، عشية ذكرى الزلزال، لم تجد صدى التعاون المطلوب من الجميع، ولم تجدِ نفعاً لملايين المنكوبين، الذين لايزالون يخشون الأسواء في معاناتهم وتشردهم، سوى البحث عن حملات جديدة للإنقاد مع ضمانات التمويل الدولي، والتلمس الحقيقي لعمق الجروح والمعاناة وتضميدها ومعالجتها بالخيارات الاجتماعية والاقتصادية الجوهرية والجدية، وليس المساهمة فقط بالتمنيات والوعود والكلمات الخطابية المعسولة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وإذا أراد المجتمع الدولي بحق وأحقية حماية هؤلاء البشر المنكوبين، وانتشالهم من قاع المأساة التي لاتزال تعصف بهم، كما وعد قبل عام مضى، فعليه أن يقاتل للخلاص منها بكافة السبل الممكنة، وإلا فإن المعاناة ستظل مفتوحة على كل احتمالات التصعيد الشريرة، التي سوف تنهك كل موارد الدولة والمجتمع، وتضع الأمم المتحدة ومعها حكومات العالم الغنية على المحك، في زعمها تبني الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان.