مصر: مناورات السلطة… وثورة الشعب
ضرب الرئيس محمد حسني مبارك برفضه مطالب ملايين الناس من الشعب المصري التي أصرت على تنحيته عن سدة الحكم بعد ثلاثين عاما من النظام الدكتاتوري، وإجراء تغييرات حقيقية جوهرية على قوانين عقيمة معمول بها في البلاد، مثالا رائعا في «الصراع الديمقراطي» الذي ظل يشيد بنموذجه النظام السياسي المصري على مدى عدة عقود مضت، والذي أراد من خلاله رئيس البلاد تحطيم أحلام شعبه الملهمة وتطلعاته إلى قيام دولة المؤسسات والحريات، عبر تعنته وتخليه عن كافة ضمانات الحقوق المدنية للمواطنين، واستفراده بالسيطرة على مختلف مجريات الأمور، واحتكار الاعلام ووسائل القوة، وفرض الاحكام العرفية المستمرة بقوة منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد المشئومة مع الكيان الصهيوني، وتشويه الثقافة والفكر، وإقصاء وتهميش احزاب المعارضة، وتجويع الشعب.
إن ما يفعله الرئيس مبارك، بمواقفه المتصلبة والرافضة للاصوات الشعبية والعربية والدولية المطالبة برحيله عن سدة الحكم، وسكوته على المجازر الدموية التي ارتكبتها «جحافل البلطجية» من المرتزقة وأنصار الحزب الوطني الحاكم، في ميدان التحرير ومختلف مناطق البلاد التي شهدت احداث الثورة الشعبية المستمرة منذ 25 يناير/ كانون الثاني 2011 وحتى هذا اليوم، لم يكن سوى فكرة مكابرة، وتحد واضح للارادة الشعبية، وكافة المناشدات الدولية الحميدة، التي مازالت تطالبه بحقن دماء الابرياء من المواطنين المطالبين بأبسط حقوق المواطنة المشروعة، وحرمان الشعب من حقه في تقرير المصير.
لقد بات الرئيس مبارك، الذي بدأ يدرك بأن شرعيته قد شارفت على الانتهاء، أو هي قد انتهت فعليا، منذ أن وافق أن يبقى على رأس نظام قمع، بكل الأدوات، الثورة الشعبية، وقتل واصاب اكثر من خمسة آلاف إنسان برصاص أجهزة الامن وصنوف اسلحة البلطجية، ليعود ويصور لنفسه انه وحده فقط القادر على حفظ الامن والاستقرار، لان من بعده سيأتي الطوفان – بحسب تصريحاته للصحافة – الذي سوف يغرق مصر وشعبها في بحور الدماء الغزيرة، ولذلك فانه لايزال يناور ويماطل في تقديم الاستقالة وبدء عملية انتقال السلطة، ويعول حتى الآن على نهاية مرهقة للمحتجين والمعتصمين في ميدان التحرير وساحات النضال الاخرى في عموم البلاد الذين أصابهم الجوع والتعب والارهاق وشح الادوية لعلاج الجرحى، على أمل أن يجد طوق نجاة يحميه من غضب الشعب، أو يثبت أقدامه في سدة الحكم لبضعة شهور أو حتى لسنوات عدة…
أكان الرئيس مبارك خائفا على نفسه وخسارة حكمه أو متفائلا بمعجزة ربانية جبارة تكرس بقاءه في السلطة، فانه يبقى منذ اللحظة الراهنة مجرد تاريخ في نظر الشعب المصري والامة العربية، وسيظل اسمه مرتبطا بثلاثين سنة معتمة من ممارسة الاستبداد والتعذيب وقتل المعارضين في غياهب السجن والتظاهرات، وانتشار الفساد واحتكار السلطة وتفقير الناس، وانه رأس نظام أسهم أكثر من غيره من الأنظمة العربية في ابتكار مختلف أدوات البطش بالمواطنين المطالبين بالعيش الكريم والحريات، وأكثرهم ارتباطا بالولايات المتحدة الاميركية والغرب، وبألد أعداء الامة العربية في الدولة الصهيونية العبرية، والدفع دائما باتجاه طريق الاستسلام امام المعارك السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تشنها القوى الدولية ضد مصر وفلسطين ومجمل الدول العربية الفقيرة.