بعد 9 سنوات من تعسر الإنتصار حان الوقت الآن لتجسيد وتعزيز الوحدة الوطنية الشاملة
▪نحو الطريق لاستعادة الوحدة الوطنية، والخروج من المأزق السياسي والأمني الراهن في البحرين.
إذا كانت هناك قوى سياسية واجتماعية، تنسب نفسها للمعارضة البحرينية، سواء على المستوى الداخلي، أو الخارجي، وتقول أنها حريصة كل الحرص، على المصلحة الوطنية العامة، وتريد تغليب المنطق والعقل، على استعراض عضلات القوة، ونبذ الطائفية المقيتة، وتوحيد الصف الوطني، التي انهكت قواه فوضى الاحتراب الطائفي الرهيب، وشلت قدراته، إرادة إجراءات القمع والعسف العام، التي فرضتها السلطة البحرينية، بعد حراك 14 شباط/ فبراير 2011، فأن طريق الخروج من مأزق الطائفية، وممارسة القمع السلطوي الشديد، يجب أن تمر عبر صياغة مشروع سياسي وطني معتدل، ومنسق بين مختلف هذه القوى، وإنشاء حاجة ملحة لجميع الفئات السياسيةعلى مختلف المستويات للتقارب أو التحالف على أبعد تقدير فيما بينها حول مبادىء وطنية مشتركة وعابرة للطوائف، وتحاشي تهميش أي من القوى السياسية أو الشخصيات الوطنية المناضلة، التي يرى فيها الناس بأنها قدمت ولاتزال تقدم كافة الخدمات من أجل القضية الوطنية، والمجتمع، وأما أي شيء آخر بخلاف ذلك فإنه سيكرس ويعزز بقاء الأزمة السياسية والأمنية على حالها، ويضاعف شرخ الوحدة الوطنية.
وخلال حراك 14 شباط/ فبراير 2011، راينا كيف، كرست جميع القوى السياسية والمدنية، التي كانت تعمل على سطح الأرض بحرية شبه مطلقة، نتيجة حصولها على تراخيص العمل السياسي والحقوقي العلني، من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ومن بعدها وزارة العدل والشؤون الإسلامية، تحت مظلة ما سمي بقانون الجمعيات، ووافقت عليه غالبية الجمعيات السياسية والحقوقية والأهلية، رغم كافة الشوائب والأخطاء القانونية الفاضحة، والمطبات والمكائد والمكامن المحتملة للمستقبل، تكرس مفهوم الوحدة الوطنية الشاملة والمخلصة والصادقة، التي تطلعت نحو التغيير الحقيقي والجوهري، وحماية الناس من غوائل الأزمات السياسية والاقتصادية، والمظالم الأمنية غير المكبوحة، وقدمت على مدبح الحكم الجائر، كواكب كثيرة من الشهداء، وقوافل لا تعد ولا تحصى من المعتقلين والسجناء والمختفين عن الأبصار خوفا من البطش، هذا بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من الملاحقين امنيا، والمفصولين من أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم، وحصار العديد من المناطق والقرى الآمنة، التي اعتبرتها السلطة البحرينية، بمثابة ساحات وبؤر ” تخريبية ” وظلت تحكم عليها الحصار المبالغ فيه، بجنودها ومعداتها العسكرية.
ولكن عندما ظهرت هناك في الحراك، هفوات واخطاء قاتلة تسبب فيها البعض بقصد أو بدون قصد، انحرفت عجلات هذا الحراك، عن مسارها الصحيح والواقعي، وتشطرت عرى الوحدة الوطنية، وتنوعت توجهاتها ومقاصدها، بين ما هو وطني حقيقي، وبين ماهو طائفي صرف، ومن خلال كل هذه الاهتزازات والتشطرات والتخندقات، والمواقف الأحادية والمتصلبة، استغلت السلطة البحرينية، نقاط الضعف الحساسة والقاتلة، في الموقف الوطني المشترك والموحد، وضيقت الخناق القوي والصارم على مجريات هذا الحراك، وحاصرت جميع رموزه وقادته وقواعده وانصاره، مستعينة بقوى خارجية مسلحة، للقضاء عليه بقسوة لا مثيل لها في تأريخ الثورات والانتفاضات في البحرين، وشرعت في إعلان الأحكام العرفية، بعد تدمير وتصفية ساحة الحراك في ” دوار اللؤلؤة ” تمهيدا للقيام بحملات إعتقال تعسفي، خارج إطار القانون، لجميع رموز وقيادات وقواعد وانصار الحركة المطلبية، والتي لاتزال غالبيتهم الساحقة، رازحة في غياهب معتقلات، وسجون السلطة، بعد أن اصدرت ضدهم أحكام قاسية للغاية، تحت تهم متعددة ومنها ” تحدي هيبة الدولة وجلالها، ومحاولات تغيير نظام الحكم بالقوة، والاستعانة بقوى أجنبية، لإثارة القلاقل، والاضطرابات، وتحريك الشارع للقيام بأعمال تخريبية، واثارة الفتن الطائفية ” وغيرها من المصطلحات الموهومة، التي استندت عليها محاكم السلطة القضائية المدنية والعسكرية، وقضت بكل هذه الأحكام التعسفية والظالمة والجائرة، على وجه وفاعلية،
ذلك الحراك المطلبي المحق والعادل، التي أطلقت عنانه من القمقم كافة القوى الوطنية والإسلامية، والذي هز البحرين والمنطقة بعفويته وسلميته، ووصل صداه، إلى أرجاء العالم برمته، وهو لأ يزال حتى الان، ينزف دما، وأوجاع ومظالم كثيرة، ولم يتحقق بشأنه أي إنتصار، سوى إستمرار أساليب القوة المشددة، والعسف العام، وتعميق الشرخ الوطني، وتغليب الممارسة الطائفية والمذهبية، على غيرها من القضايا الوطنية المركزية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية.
ومما هو لاشك فيه فأن جميع القوى السياسية والاجتماعية والحقوقيةوغيرها، التي ناضلت في الحراك، تعرف اليوم حق المعرفة اليقينية والقاطعة، بأن البلاد، لازالت أسيرة أهواء السلطة البحرينية، وخاضعة لسيطرتها الفولاذية، وسيطرة، القوى الإقليمية والدولية، التي باتت اليوم صلبة وعنيدة، أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن أن تهزها رياح المطالب التغييرية الجذرية، مهما تطورت وتنوعت اساليب الحركات الاحتجاجية المدوية، أو التظاهرات والاعتصامات والكثافة الإعلامية الموجهة سهامها للتشهير بممارساتها الاستبدادية والقمعية، المنطلقة من هنا وهناك، مادامت هي تمتلك مفاتيح القرار السياسي بمفردها، ومادامت هي تمتلك مختلف وسائل القوة والقمع، وفنون المظاهر الإعلامية، ومعاهدات الحماية الأجنبية المدافعة عن حماية العرش بجميع الوسائل الرادعة والممكنة، ومع ذلك فأن جميع هذه القوى مازالت تناطح الجدار، ولم تحرك ساكنا تجاه استعادة اللحمة الوطنية المبعثرة، والعاجزة عن الالتحام، ولا تنطق ببنت شفة، نحو تغيير الواقع المؤلم، والنفق المظلم الآخر المحتمل إعادته في البلاد، ومنعا لتوسع شق الوحدة الوطنية وانهيارها، اكثر مما هو حاصل الان، نقولها اليوم، وبكل صراحة، انه لاخروج من هذا المأزق السياسي المعاش في البحرين، سوى التفكير الجدي والعقلاني والمنطقي، نحو رص الصفوف والالتحامات، لترميم الأوضاع السالبة، والمعطلة لهذا التلاحم، واستعادة هيبة الوحدة الوطنية، والتضامن المشترك، وتغليب المصلحة العامة، على المصالح الفئوية والتنظيمية، والشخصية الضيقة المحدودة، وتنسيق العمل المشترك، الذي يستطيع إنقاذ البلاد والمجتمع مما هو اصعب من الوضع الراهن، وهذا هو المخرج الواقعي، والمنطقي والعملي، وقد كنا نسمع عن معاناة الناس وتدمرهم، وتضرر مصالحهم، والارهاق الشديد، الذي يواجهونه يوميا، من جراء ممارسات السلطة القمعية، وعنادها وغرورها، وتصديها لجميع محاولات التغيير، وابتكارها لمختلف اساليب المراقبة الأمنية القاسية والصارمة، ويريدون الخلاص من شر ماهو قائم، فلقد ضحى أبنائهم واستشهدوا على مذبح السلطة والحكم، واعتقلوا وسجنوا، وتشردوا، وترملت نسائهم، وتيتمت اطفالهم، وتشرد العديد من أبنائهم وعوائلهم، وحوصرت مناطقهم، وانقطعت عليهم ارزاقهم، وغزت وطنهم قوافل المجنسين الأجانب، واحتلت ارضهم جحافل الجيوش الاجنبية، ومازال الحبل على الجرار، وليس هناك ما يوحي من أفق الانفتاح السياسي، وحتى طاولة الحوار الوطني المسؤول ممنوعة، والمصالحة الوطنية الشاملة ممنوعة، والتغيير الحقيقي والجوهري ممنوع، وليس هناك، سوى السلطة الاستبدادية القمعية، التي تمتلك هي وحدها فقظ مراكز القرار ومختلف وسائل القوة والقمع، ويقولون انه المطلوب اليوم، هو مراجعة الذات والمواقف والتصورات، من جميع أطراف الصراع على الساحة البحرينية، وتصحيح الأخطاء بواسطة الحكمة والتعقل، وليس بواسطة العنف والقمع، لكي تعود الأوضاع، إلى سابق عهدها، قبل انفجار هذا الحراك، وعندها سيكون هناك لكل حادث حديث.
هاني الريس
28 نيسان/ أبريل 2020