علي دويغر… مناضل كبير ورمز تاريخي لشعب البحرين

من قلوب يعصرها الحزن والألم ومآسي الأحداث المؤلمة التي تشهدها الساحة البحرينية في هذه المرحلة الحساسة بالذات، نعزي عائلة المناضل الشهيد علي عبدالله دويغر، وكل رفاقه الأوفياء وشعب البحرين برمته للمصاب الجلل والخسارة الفادحة لرمز كبير من رموز القيادات النضالية الشجاعة في تاريخ البحرين الحديث والمعاصر.

فهذا المناضل البحريني الأصيل والمتحمس دائماً لنصرة قضايا شعبه الغارق منذ عدة عقود مضت ولايزال، في ويلات العسف والاستبداد، يحمل في رصيده تاريخ نضال وطني ثابت وأصيل كزعيم مؤسس لفصيل وطني عريق ومشهود له في التصدي بشراسة في وجه سلطة القمع والاستبداد وقهر الإرادة الشعبية، وطرح مطلب الاستقلال والسيادة والكرامة والحكم الديمقراطي والحريات، طيلة سنوات حقبة القمع المعتمة التي عصفت بالبلاد، وأزهقت خلالها أرواح المناضلين الشجعان تحت وطأة التعذيب في السجون وفي التظاهرات المطلبية السلمية المطالبة بالحريات العامة والاستقلال والسيادة الوطنية، وهو ما جعل السلطات البحرينية، أن تعرضه للاعتقال والسجن، وثم الإبعاد من أراضيها بشكل تعسفي، إلى تراب دولة الكويت في العام 1968 ليشارك هناك في الحياة السياسية والنضالية متعاوناً مخلصاً مع أبناء شعبه المبعدين فيها، وكان واثقاً من ضرورة الاستمرار في معركة النضال من أجل الحريات في البحرين هو حق أصيل، يجب أن ينطلق من كل ساحات التواجدات، حتى تحقيق كل المطالب الشعبية التي ترفع في الساحة البحرينية، والتي ناضلت واستشهدت من أجلها أجيال من شعب البحرين، ومن بعد إقامته في الكويت غادر إلى مملكة السويد، التي لم تبخل عن احتضانه في إحدى جامعاتها لتلقي علومه، وبعد انتهاء دراسته الجامعية ظل يواصل مهمته في النضال الوطني بجانب رفاقه في جبهة التحرير الوطني البحرينية وكذلك مختلف قوى التغيير في البلاد، التي ناضلت من أجل الحكم البرلماني الدستوري والسعادة الدائمة لشعب البحرين، على رغم كل المضايقات والمشقات الصعبة، والتي أبرزت من دون أدنى شك صلابة هذا المناضل الشجاع وضاعفت من عزيمته في الدفاع عن قضايا شعبه ووطنه.

تعرفت عليه في البحرين في العام 2001 بعد عودتي من المنفى القسري في الدنمارك، خلال فترة الانفتاح السياسي، التي أعقبت حقبة القمع الوحشي التي فرضها قانون أمن الدولة السيئ الصيت في النصف الأخير من القرن الماضي، والتي سمحت بفتح صفحة جديدة مع المعارضة في الداخل والخارج، ورؤية غير واضحة تماماً لمستقبل البلاد السياسي والحقوقي المأزوم، وذلك من خلال الصديق العزيز المناضل علي قاسم ربيعة، عضو البرلمان البحريني المنحل في العام 1975، الذي قدم لي دعوة كريمة للاتصال به والتعرف عليه والاستفادة من خبراته وتجاربه النضالية الأصيلة، فوجدت فيه خير مثال على قول الحق والتواضع والاحترام والفكر السديد والنير، والإصرار على مواصلة دروب النضال على رغم كبر سنه واعتلال صحته، من خلال كل ما تعرض له من عسف طوال مسيرته النضالية الطويلة والمشهود لها بالصلابة.

وأتذكر يوم التقيته لأول مرة في حياتي، وجمعتني به ثلاث ساعات كاملة من النقاش السياسي، في إحدى صالات فندق الشيراتون بالعاصمة المنامة وبمعيته الأخ علي قاسم ربيعة، أنه كان رجلاً خجولاً ولم يسهب كثيراً في الكلام ولم يجادل في غير الأمور الوطنية الصعبة، فكان دائماً يطرح عليّ الأسئلة المحرجة عن رؤيتي بالتطورات الجديدة في البحرين والمشاريع الإصلاحية الراهنة واللاحقة، والأدوار التي ستلعبها المعارضة الداخلية والعائدة من المنافي القسرية، وكنت أرد على كل سؤال من هذه الأسئلة بدقة متناهية خوفاً من الوقوع في بعض الأخطاء السياسية الفاضحة، وأكرر له القول إن الوسائل الوحيدة لتصحيح الأوضاع ومعالجة دوامة الأزمات التي عصفت بالبلاد طوال تلك العقود البعيدة، والتي عانت منها فئات اجتماعية وعقائدية وتيارات سياسية وبعض الطوائف البحرينية، هو القيام بعمل مفيد لشعب البحرين، ويجنبه من عودة الماضي القمعي، الذي ساد البلاد، قبل فترة الانفتاح السياسي، والكف عن كل أساليب الانقسام بين مختلف قوى المعارضة البحرينية، والتفكير في مصالحة وطنية جادة، والسعي للتركيز على المستقبل، وتناسي الجميع للماضي، وكان الرجل يستمع إلى كل تلك الطروحات من دون أن يقاطع، ويبدي رأيه فيها بكل صراحة، ويكرر القول إنه لا يمكن لأي شعب في العالم، أن ينهض وينتصر لقضاياه المحقة والعادلة، ويواكب عصر التقدم والديمقراطية الواقعية من دون تحقيق تلك الأسباب الحقيقية التي قد طرحتها.

رحم الله المناضل الشهيد علي عبدالله دويغر وأسكن روحه الطيبة جنان الخلد مع الصالحين وكل الشهداء الأبرار.

Loading