لماذا يدفعون حياتهم ثمناً للوصول إلى أوروبا؟
قبل أيام تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية على حد سواء، خبر غرق سفينة تحمل مئات اللاجئين الأفارقة أمام السواحل الايطالية، وأيضاً عشرات اللاجئين في عبّارة ثانية في المياه الفاصلة بين اندونيسيا واستراليا، وهم جميعاً من بين مواطني الدول الفقيرة، ومن بينها لبنان حيث توفي أكثر من 40 مواطناً لبنانياً من قضاء عكار.
حدثان يحملان المضمون ذاته، أي الهروب من البلد الأصلي وحلم الوصول إلى أوروبا واستراليا. والسؤال هنا: لماذا يحاول هؤلاء الضحايا ترك بلدانهم والإقدام على مخاطرة قد تقودهم إلى الموت المحتوم، من أجل الوصول إلى أوروبا أو استراليا، أو حتى إحدى الدول العالمية التي يلوح منها بريق الثروة، حيث لا تزال معظم الدول الأوروبية برغم أوضاعها الاقتصادية الصعبة، وتنامي المشاعر القومية المناهضة للمهاجرين، لا تخفي حقائق تعاطفها مع الشعوب المضطهدة والفقيرة، وتهتم بالعديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، التي تعاني منها مختلف دول العالم النامية، فضلاً عن وجود الثروات الضخمة وتطور التكنولوجيا الحديثة واحترام مبادىء حقوق الانسان.
لذلك فإنه عند اشتداد وتيرة العنف والقمع والجوع والاضطهاد السياسي واتساع الفوارق فيما يتعلق بالدخل، ترتفع أعداد المهاجرين الذين يسعون لبلوغ «الجنة» الأوروبية أو «الاسترالية»، بمختلف الوسائل الممكنة، والتي تكون في العادة مصحوبةً بمخاطر عديدة، ومنها الطرد أو الموت في عرض البحر.
العديد من الأشخاص الناجين من خطر الموت الذين قذفت بهم أمواج البحر الأبيض المتوسط، وأجرت معهم وسائل الإعلام العالمية مقابلات، عبّروا عن إصرارهم على المغامرة بحياتهم لأنهم يريدون أن يعيشوا حياةً كريمةً كغيرهم من البشر. ولا يوجد هناك مكان أفضل بالنسبة لهم كي يغيّروا من حياة التعاسة والبؤس سوى البلدان التي تعتمد الأنظمة البرلمانية الدستورية وتوفير العمل واحترام حقوق الانسان، والخالية من التمييز العنصري على أساس اللون والدين والمعتقد وغير ذلك.
والمفارقة هنا أن هناك منظمات حقوقية أوروبية لها مواقف مغايرة لما هو مطروح سواءً عبر وسائل الاعلام أو ما هو مطروح في الساحة السياسية. هذه المنظمات الحقوقية تتهم حكوماتها بأنها تقف وراء تدفق موجات اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، وذلك بإفساح المجال أمامهم بمنحهم حق اللجوء والاقامة. وهو ما تعتبره تلك المنظمات حلاً غير واقعي أمام الفارق الشاسع في الثروة بين دول الشمال الغنية وبلدان الجنوب الفقيرة. وتقترح تلك المنظمات حلولاً أخرى لمشكلة تدفق اللاجئين، ومن ضمن تلك الحلول أن على الدول الغنية واجب المساهمة في إعمار وتحديث تلك البلدان على أكثر من مستوى. على سبيل المثال تطوير البنى التحتية وإدخال الصناعة والتكنولوجيا الحديثة وتطوير التعليم والتنمية البشرية، وبهكذا مشاريع يمكن امتصاص العمالة البشرية والبطالة، بحيث لن يفكر أحدٌ في الخروج من بلاده الأصلية والمغامرة بركوب البحار والمحيطات التي غالباً ما تقوده إلى الموت المحتوم.
ومن جانب آخر كانت هناك اتجاهات فكرية تعتقد بأن أوروبا وغيرها من الدول الاستعمارية يجب عليها في هذا الوقت بالذات، أن تدفع ثمن استعمارها للدول، ونهب ثرواتها، واستعباد شعوبها، كما حصل مع الولايات المتحدة الأميركية في جلبها لملايين الأفارقة كعبيد وكعمالة رخيصة. كل هذه الاتجاهات السياسية الفكرية تعتقد أن تلك الشعوب المهاجرة تسعى من خلال وصولها إلى أوروبا لاستعادة شيء من ثرواتها المنهوبة، وأن من حقّها الطبيعي إعادة الاعتبار لذاتها الحضارية والإنسانية والأخلاقية، التي طالما صادرتها دول الغرب والولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الدول الاستعمارية الأخرى التي حاولت فيما مضى من الزمن أن تفرض نفوذها وهيمنتها السياسية والعسكرية على مختلف الشعوب النامية والفقيرة.