الشوفينية الجديدة في أوروبا تضع حركات التطرف في الواجهة
يبدو أن العديد من دول القارة الأوروبية، قد بدأت تشعر ببالغ القلق من صعود أحزاب وحركات اليمين المتطرفة في أوروبا، التي بدأت خلال الفترة الأخيرة تحقق انتصارات ملفتة سواء في الانتخابات التشريعية والبلدية أو على مستوى استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الدراسات والتحليل وقياسات الرأي. وهي تستقطب أصوات المشككين بجدوى بقاء الاتحاد الأوروبي على هذا الوضع، وتخلخل مرتكزاته الأساسية التي أخذت تعصف بها مؤثرات «التغييرات الاقتصادية الكاسحة» التي شهدتها غالبية هذه الدول منذ مطلع الأزمة المالية العالمية في العام 2008 والمناهضين للعولمة، وإلى تنامي موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا.
وكانت النتائج الانتخابية الإيجابية لأحزاب اليمين المتطرف في فرنسا وهولندا والمجر وإيطاليا وبلجيكا واليونان والسويد والدنمارك، قد عززت الآمال في وصول الأحزاب وحركات التطرف العنصرية والشوفينية الحديثة والمعاصرة إلى الواجهة السياسية والاجتماعية، في البلدان الأوروبية الأكثر تطوراً في مجال الحريات العامة والديمقراطية الواقعية والحكم البرلماني الدستوري وحقوق الإنسان. وفي هذا الإطار أعلنت خمسة أحزاب أوروبية يمينية متطرفة عن تشكيل تحالف موحد في أوروبا لتحقيق التعاون المشترك بينها على رغم وجود بعض الخلافات الايديولوجية والفكرية، التي كانت قد عطلت كل مبادرات تشكيل التحالفات السابقة، وذلك تحت مسمى «تحالف الحركات القومية الأوروبية»، ويضم حزب الجبهة الوطنية الفرنسي الذي تتزعمه مارين لوبان، والذي حقق انتصارات انتخابية محلية جزئية في مناطق جنوب فرنسا، الأمر الذي يعتبر ضربة موجعة في خاصرة الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية الفرنسية المنفتحة على رأي الآخر والداعمة لقضايا التعايش المشترك ونبذ التمييز على أساس العرق أو اللون أو المعتقد.
كذلك حزب الجبهة الوطنية البلجيكي، الذي استطاع أن يمد أذرعه في بعض المناطق الفقيرة، التي ضاق سكانها من تردي الخدمات الاجتماعية المهمة والأوضاع الاقتصادية في بلجيكا. وحزب فياماتريكولور الإيطالي العنصري الشوفيني، والحزب الديمقراطي القومي المتطرف في السويد.
تم تحالف القوى والأحزاب المتطرفة في اجتماع عقدته مؤخراً في بودابست، وكان في صلب برنامجه السياسي الوقوف في وجه موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا والعمل على استقلال القرار الأوروبي ومكافحة العولمة وتقليص الآثار الكارثية الناجمة عن تدهور الاقتصاد الأوروبي، وتأسيس تقاليد سياسية جديدة في أوروبا تكون على نقيض السياسات المعمول بها حالياً في مختلف مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
هذا وتشعر بعض الحكومات الغربية بالأسف لتنامي حركات التطرف والعنصرية في أوروبا، وحصول بعض الأحزاب اليمينية القومية على مواقع متقدمة في المؤسسات التشريعية الوطنية كما هو الحال بالنسبة إلى حزب يوبيك المجري الذي يتزعمه جابور فونا، وهو يحتل المرتبة الثالثة بين أحزاب البرلمان المجري بمجموع 42 مقعداً من أصل 386 مقعداً من مقاعد البرلمان وله ثلاثة نواب في البرلمان الأوروبي. وحزب الحرية الهولندي الذي يتزعمه غريت ويلدرز وهو حزب يميني متطرف جداً ومناهض للإسلام، وقد رفع في حملته الانتخابية الأخيرة شعار وقف «أسلمة هولندا» وفرض ضريبة مالية على حجاب النساء المسلمات في البلاد، ويحظى بمجموع 24 مقعداً من أصل 150 مقعداً في البرلمان الهولندي. وحزب الشعب الدنماركي الذي يتزعمه كريستيان توليسين، الذي حصل على نسبة 19.7 في المئة من الأصوات في استطلاع جديد للرأي العام الدنماركي أجرته مؤسسة «أوربينيون» للدراسات والتحليل، بعد أن كان قد حصل على نسبة 12.3 في المئة في الانتخابات التشريعية الدنماركية التي جرت في سبتمبر/ أيلول 2011. وحزب الفجر الذهبي المتطرف اليوناني الذي يتزعمه نيكوس ميخالولياكوس، والذي استطاع أن يجمع من حوله قاعدة جماهيرية واسعة على رغم تطلعاته الفاشية، مستفيداً من عمق الأزمة المالية الخانقة، التي لاتزال تعيش على وقعها اليونان حتى اللحظة، لأنها تخشى من أن يؤدي الصعود السريع للأحزاب المتطرفة القومية، إلى تهديد انسجام وعمل الاتحاد الأوروبي بشكل خطير.
وأبرز ما يكون هذا القلق في فرنسا وهولندا والدول الاسكندنافية، التي أخذت تغزوها مختلف مظاهر التطرف والعنف والشوفينية الجديدة، بسبب اتساع موجات الهجرة والبطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وتريد في الوقت الراهن على الأقل تثبيت كياناتها السياسية والعسكرية والأمنية بقوة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
والسؤال اليوم هو: ماذا لو تسلمت تلك الحركات المتطرفة الحكم في عدد من الدول الأوروبية المؤثرة؟ وهل ستبقى أوروبا كما هي أوروبا التي نعرفها اليوم؟ هذا ما ستجيب عنه السنوات المقبلة.