تكنولوجيا خضراء… ومليار يكابدون الجوع والمرض

أرقام قياسية خطيرة ومذهلة كشف عنها تقرير حديث صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، بخصوص مستويات هدر المواد الغذائية الضرورية، وانعكاس تأثيراتها الكارثية على حياة أكثر من مليار إنسان يعيش تحت مستوى الفقر في المناطق النامية والفقيرة، وذلك على الرغم من كل الالتزامات والتعهدات الكثيرة من قبل المجتمع الدولي بمكافحة الفقر حول العالم.

ففي إحصائياتها الجديدة عن أوضاع الأمن الغذائي العالمي، تحدثت المنظمة الدولية للأغذية والزراعة (الفاو) عن هدر ما يقارب من ثلث المواد الغذائية المنتجة للاستهلاك البشري كل عام، أي بما يعادل نحو 103 مليار طن، ومخلفة وراءها خسائر اقتصادية مذهلة قد تصل إلى أكثر من 750 مليار دولار أميركي سنوياً. في الوقت نفسه لايزال العالم يشهد السباق المحموم بين مختلف الدول النامية والمتقدمة على تبذير الأموال الطائلة في مشاريع التحديث والتصنيع والتسلح، بعيداً عن المشاركة الايجابية في إيجاد الحلول والمعالجات الضرورية المطلوبة لمواجهة «تسونامي الفقر» المخيف الزاحف في عمق المناطق النامية والفقيرة.

وقال مدير منظمة الأغذية والزراعة جوزيف غرازيانو داسيلفيا، أمام المنتدى العالمي للنمو الأخضر (3 جي إف) في دورته السنوية الثالثة المنعقدة في الفترة ما بين 21 و22 أكتوبر/ تشرين الأول 2013 في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، بمشاركة واسعة من قبل صناع القرار السياسي والاقتصادي من مختلف البلدان المتقدمة والنامية، وفي مقدمتهم رؤساء وزراء الدنمارك وكوريا الجنوبية وفرنسا وأثيوبيا، إضافةً إلى العديد من كبار رجال الأعمال والمدراء التنفيذيين في مختلف الشركات التجارية العالمية العملاقة وممثلي منظمات المجتمع المدني وبنك التنمية الأفريقي والإتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كان الملفت في هذا التجمع العالمي غياب الحضور الرسمي والأهلي العربي والتغطية الإعلامية العربية.

إن معدلات الخسائر الاقتصادية العالمية من جراء الهدر المتواصل للمواد الغذائية الاستهلاكية الأساسية بلغت أرقاماً قياسية مذهلة وخطيرة، في مقابل عجز عالمي قوي في مواجهة تحديات الجوع والمرض والمجاعات، التي مازالت تهدد حياة أكثر مليار شخص، معظمهم يعيش في مناطق شديدة الحساسية الاجتماعية والأمنية. وتعاني تلك الشعوب من تدنّي مستويات الخدمات الصحية والتعليمية ومياه الشرب النظيفة والصرف الصحي، حيث تشير التقارير إلى وجود أكثر من 768 مليون إنسان يعيشون من دون مياه صالحة للشرب وأكثر من مليار ونصف المليار نسمة من دون مرافق ملائمة للصرف الصحي في كل مناطق العالم، ما يعكس ذلك الارتفاع الهائل في نسبة الأمراض والوفيات وانخفاض متوسط الأعمار وتفشّي سوء التغذية.

ولمعالجة كافة المخاطر التي قد تواجه مختلف قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على البيئة على المديين الراهن والاستراتيجي، دعا المشاركون في المنتدى إلى وضع خطط واضحة وفاعلة من أجل تحديد معايير عالمية جديدة لقياسات هدر المواد الغذائية بأنواعها المختلفة، وضرورة اعتماد التنمية الزراعية والطاقة الخضراء من أجل إنعاش القطاع الزراعي ورفع إنتاجيته بالسبل التكنولوجية والعلمية في ضوء الحاجة الملحة إلى مضاعفة الموارد الغذائية والطاقة والمياه التي أخذت في هذا الوقت بالذات تشق طريق التراجع، أمام استشراء الجوع والمرض والبطالة. في الوقت الذي تزداد فيه نسبة تعداد السكان العالمي الذي قد يصل إلى أكثر من عشرة مليارات نسمة بحلول العام 2050، خصوصاً أن الزراعة لاتزال تعتبر حتى اللحظة من أهم القطاعات الاقتصادية لخلق فرص العمل والدخل في بلدان العالم النامية والفقيرة، والسعي لتحقيق شراكة استراتيجية مهمة في مجالات الاقتصاد الإبداعي مثل قطاعات النمو الأخضر والتكنولوجيا ومختلف الخدمات العامة اللازمة لتطوير النمو الأخضر ومواجهة مخاطر الفقر والفقر المدقع، والعمل على تضييق الهوة الاقتصادية العميقة بين البلدان المتقدمة والنامية والفقيرة، ومطالبة الحكومات الرسمية بزيادة تمويلها لمختلف المشاريع الإنمائية الملحة عبر وسائل الاستثمار وضمان سياسات حكومية استثمارية رفيعة المستوى وضرورة تحقيق الدعم الحكومي الرسمي لأسعار الوقود وتوجيه كافة الجهود والإمكانات نحو قضية الطاقة الخضراء التي تعتبر اليوم إحدى القضايا العالمية المهمة.

طموحات المنتدى العالمي للنمو الأخضر مازالت تواجه تحديات الغذاء الفائض وهدره وخسائره الفادحة، على رغم ما يقال عن وجود بعض الحلول المناسبة والكفيلة بتوفير الفرص الاجتماعية الجديدة والعمل والحد من تنامي هدر المواد الغذائية والتصدي للجوع من خلال تكنولوجيا خضراء وطاقات مناخية نظيفة.

Loading