الأمم المتحدة وقضايا البيئة
على مدى أكثر من عقدين من الزمن تحاول الأمم المتحدة أن تجد حلولاً موجبة لوقف تدمير الموارد الطبيعية وتلوث البيئة حول العالم، ومنذ عقد أول اجتماع للبيئة في العاصمة السويدية ستوكهولم في العام 1972 لمناقشة المشكلات البيئية، التي أخذت تتفاقم بشكل خطير في مناطق واسعة من العالم وتفتك بأرواح الملايين من البشر، يجتمع ممثلو الحكومات الرسمية والمنظمات الأهلية المعنية بقضايا البيئة والتنمية البشرية لإعداد الخطط والبرامج الكفيلة بتوفير ضمانات صحية للأجيال المتعاقبة في العالم. ثم عقدت سلسلة مؤتمرات دولية حول المناخ والحد من انبعاث الغازات المسببة للتلوث البيئي، وذلك من أجل تشجيع حكومات العالم على القيام بحملات واسعة النطاق لمكافحة الأضرار والمخاطر الناتجة عن انبعاث تلك الغازات والحيلولة دون امتدادها بشكل مخيف على كوكب الأرض.
وفي كل المؤتمرات والندوات الدولية، التي عقدتها منظمات الأمم المتحدة حول البيئة، يطرح المشاركون تصورات وخططاً وقواعد جديدة لمعالجة مسببات التلوث، ومطالبة الدول بعمليات التنسيق بين بعضها البعض في السياسات العامة للحد من انتشار هذه المظاهر المقلقة والمخيفة بشكل واسع. وعلى الرغم من ذلك يبدو الأمر وكأنه لم يغيّر شيئاً من مخاوف الناس من الآثار المدمرة التي قد تلحق بهم عندما تفشل الحلول الايجابية بشأن المناخ، حيث أن جميع المفاوضات الدولية حتى الآن لم تفض إلى حلول موجبة وواقعية تبدد هذه المخاوف. ومن المستبعد أن تؤدي الخطوات البطيئة الداعية لمكافحة الغازات المسببة للتلوث إلى إزالة الإحساس الحالي بالمخاوف، التي بدأت في التنامي خصوصاً في المناطق التي تتعرض دائماً للتغيير المناخي المستمر، والتي مازالت تنتظر المعالجة، الأمر الذي لا يضفي بعض المصداقية للاعتقاد العام السائد بدور الأمم المتحدة التي تدعي القيام به في هذا الشأن.
مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ الذي عقد في العاصمة البولندية وارسو في الفترة مابين 11 ـ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 وشارك فيه أكثر من 190 مندوباً عن الحكومات الرسمية والمنظمات الأهلية المعنية بشئون البيئة، ظهرت فيه بعض الإشارات الواضحة على ما تعانيه حكومات العالم من مشكلات تواجه كل مفاوضاتها، ويمكن أن تخفف من التداعيات المستمرة بشأن المناخ، وخصوصاً عندما نعرف بأن هناك عدداً من حكومات العالم مازالت تضع العراقيل حول الاتفاق الجماعي على مكافحة التلوث، من بينها الولايات المتحدة الأميركية التي مازالت تتردد في إبرام أية اتفاقية دولية حول المناخ.
وربما لهذا السبب صرّح وزير البيئة الفرنسي جاك لابوج أن مفاوضات مؤتمر الأمم المتحدة الأخير في وارسو قد واجهت «صعوبات فائقة» بسبب عدم الاتفاق بشكل جدي على إرساء الأسس الصلبة لشراكة عالمية بين البلدان الصناعية الكبرى والبلدان النامية. وكذلك الصعوبات التي تكمن في مدى انخراط الاقتصادات الناشئة التي تنادي دائماً بحقها في التنمية، وتؤكد مسئولية الدول الصناعية الكبرى عن الاحتباسات الحرارية والتلوث البيئي في العالم. وهذه المواقف تشكل موضع توترات متكررة في المفاوضات التي في الغالب تشهد انعدام الثقة بين الدول المتقدمة والنامية والفقيرة.
وتطالب دول الجنوب الفقيرة بمساعدات مالية كبيرة كي تواجه مشاكل التلوث والاحتباس الحراري، فيما تحاول الدول الثرية التملص من تسديد التزاماتها المالية وتختلق الذرائع والمبررات التي من شأنها أن تؤخر أو تعرقل مشاريع الدعم، حيث جاءت كل هذه المطالبات في وقت يبدو فيه أن كافة الدول الكبرى المانحة تعاني العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. وأشار تقرير سابق لمؤسسة «كلايمت بوليسي أنشيتيف» أن الانفاق العالمي حتى العام 2012 لايزال أقل بكثير من المستويات المطلوبة للحد من أبرز المخاطر البيئية، وبلغ مجموع الاستثمار في الطاقة المتجددة ومستويات كفاءتها قرابة 359 مليار دولار، وهو أقل بمقدار 5 مليارات دولار عن العام 2011، في الوقت الذي تطالب فيه تقارير وكالة الطاقة الدولية التابعة للأمم المتحدة، بالضرورة الملحة لوجود استثمارات تصل إلى أكثر من خمسة تريليونات دولار لشئون الطاقة النظيفة وحدها بحلول العام 2020 وذلك من أجل الإبقاء على الزيادة في مستويات الحرارة العالية في نطاق درجتين مئويتين فقط.
وقد برزت كل هذه المخاوف مرةً أخرى في تصريحات المسئولة عن قضايا المناخ في الأمم المتحدة، كريستيان فيغيريس التي تحدّثت أمام الوفود المشاركة في المؤتمر بكلمات جادة ومؤثرة للغاية، وقالت: «إن على عاتق جميع الحكومات أعباء مسائل عديدة تدفعها إلى التفكير بالأمور الصعبة، واتخاذ مواقف شجاعة تكون ملزمة قانونياً». وحثت جميع الدول على توحيد جهودها من أجل مواجهة المخاطر المحدقة بملايين الناس حول العالم من جراء استمرار الانبعاث الحراري وتوضيح عناصر الاتفاق الجديدة بين الدول التي يفترض أن ترسم خريطة الأجندات الاقتصادية والمناخية والتنموية العالمية بعد العام 2020، وإلى إحراز تقدم ملموس في ملف الدعم الاقتصادي لمساعدة بلدان الجنوب في مواجهة التقلبات المناخية. ووعدت بلدان الشمال بمنحها مساعدات بقيمة 100 مليار دولار سنوياً بحلول العام 2020 عبر الدعومات المالية المقدمة من الصندوق الأخضر، الذي يتلقى الدعم الاقتصادي والمعنوي من مختلف دول العالم الغنية. ولكن بلدان الجنوب ترى بأن تنفيذ هذه الوعود على أرض الواقع يحتاج إلى وقت طويل ومصداقية حقيقية، وليست فقط مجرد وعود رنانة تذهب بعد كل مؤتمر دولي في مهب الرياح.