طموحات الصين بين الاقتصاد والسياسة
قبل أيام عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني جلسة مغلقة ناقشت خلالها قضايا كثيرة تتعلق بتعزيز عملية الاصلاحات الشاملة، التي بدأتها قبل بضعة أعوام، والتي ستحدد مستقبل البلاد في العقد المقبل، وصفت بـ (المهمة والتاريخية). فبعد الانجازات الاقتصادية التي حققتها الحكومة الصينية خلال العقدين الماضيين، وجعلتها تحتل مرتبة ثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الاميركية، أصبحت القيادة الصينية واثقة من المستقبل، رغم كل ما تتعرض له من انتقادات صارمة من حكومات الدول الكبرى فيما يتعلق بممارساتها في مجالات حقوق الانسان والحريات المدنية والديمقراطية.
وعلى رغم تصريحات كبار المسئولين في الحكومة الصينية، بأن تطلعها الاقتصادي، لم يعد حلما بل أصبح حقيقة، وأن البلاد ستكون قادرة على مواجهة التحديات الكبيرة والتغلب عليها في نفس الوقت الذي يمكن أن تعيش فيه استقرارا سياسيا وأمنيا يوفر لها مواصلة الاستمرار في تحقيق معدلات نمو اقتصادية كبيرة وسريعة في السنوات المقبلة، وانه سيكون في استطاعتها على مدى العقدين المقبلين أن تمتلك أكبر وأقوى اقتصاد في العالم، يرى الكثير من خبراء الاقتصاد والمنظمات الحقوقية والانسانية، أن هناك الكثير من التحديات والعوامل السياسية والاجتماعية الصعبة لاتزال تقف عائقا في وجه الحكومة الصينية، ويمكن لها أن تؤثر تأثيرا واضحا وكبيرا في مستويات النمو الاقتصادي. من أهمها على الاطلاق وجود أعداد كبيرة من الصينيين يعيشون تحت مستوى الفقر والفقر المدقع، وخاصة في مناطق القرى والارياف. والفجوات المتزايدة بشكل مستمر بين التطور والتقدم الاقتصادي في أقاليم البلاد الساحلية وأقاليمها في الداخل، التي تواجه صعوبات كثيرة في مستويات الحياة العامة. لكن التحدي الاكثر صعوبة في هذه المرحلة، هو الضغوط السياسية والحقوقية الآتية من قبل المطالبين بتوفير الفرص الديمقراطية وحقوق الانسان في الداخل والخارج.
لم يتوقف المنتقدون لحظة واحدة عن توجيه الانتقادات الصارمة للحكومة بسبب مواقفها المتشددة ويعتقدون بأن تمسك القيادة الصينية بمفاهيم دكتاتورية الحزب واحتكاره للسلطة، وكبح الطموحات والتطلعات الكبيرة لدى الطبقات المتوسطة والمسحوقة، ستكون الأكثر احتمالا من إمكانية ازدهار وتطور الحياة الديمقراطية في الصين.
ولأن الاقتصاد الصيني أخذ يتفوق كثيرا على اقتصادات الكثير من الدول الكبرى في الوقت الراهن، فإن البلاد على حد اعتقاد بعض المراقبين ستتعرض لتحديات صعبة من جانب الدول الكبرى، التي لا ترغب بأن تكون الصين قوة اقتصادية عظمى على المسرح العالمي. وستلجأ بعض هذه الدول لفرض شروط واسعة على عمليات الاستيراد والتصدير للمنتجات والبضائع الصينية وكبح قدراتها في مختلف مجالات الاقتصاد، الامر الذي سيدفع بالقيادة الصينية لاستخدام وسائل مماثلة لمواجهة تلك التحديات التي ستؤثر على البلاد برمتها. وعلى الارجح فإنها يمكن أن تفرض بعض القوة لتعزيز مواقفها تجاه البلدان التي تحاول التصدي لطموحاتها الواسعة في مختلف مجالات الاقتصاد والسياسة، وهو ما يجب أن تتفادى القيادة الصينية حدوثه بأي ثمن.
إلى ذلك تشعر القيادة الصينية بأن عليها أن تقوم بدور فعال وإيجابي من أجل تطوير كل قدراتها الانتاجية ورسم بعض الخطط الاصلاحية الجديدة، وإيجاد الحلول الموجبة لمشكلاتها الداخلية وخاصة في رفع مستويات المعيشة للمواطنين والعمل على ضبط وتيرة النمو الاقتصادي وتطوير المؤسسات التابعة للدولة ومعالجة قضايا البطالة في المناطق الفقيرة ومكافحة الفساد الاداري الذي استشرى بشكل واسع النطاق في الكثير من دوائر الدولة الرسمية وتحسين سجلها في مجال حقوق الانسان والحريات المدنية والتحولات في البنية الاجتماعية والسياسية التي تعرضت للتشويه على مدى سنوات سابقة بسبب اللجوء إلى الاساليب التسلطية وقمع التطلعات الشعبية المطالبة بالحقوق المدنية والتغيير الحقيقي والجوهري للسياسات القائمة في البلاد، وذلك بذريعة الحفاظ على الحزب الشيوعي في السلطة، الذي لايزال قادته يتحدثون عن تمثيلهم لطموحات وتطلعات الشعب الصيني برمته.
وبالتأكيد سيكون اختبار القيادة الصينية في مجمل الوعود التي قطعتها على نفسها أمام الشعب الصيني، على المديين الراهن والاستراتيجي، هو التمكن من معالجة كافة القضايا «المهمة والتاريخية» التي نوقشت بشفافية في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وتعزيزها وتجسيدها على أرض الواقع.
وسيبقى التراجع المستمر لدى القيادة الصينية فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية والحريات المدنية العامة، المشكلة الأبرز والأصعب التي ستواجهها على صعيد علاقاتها مع حكومات الشرق والغرب، وكذلك المنظمات الحقوقية الدولية ومجلس حقوق الانسان التابع إلى الامم المتحدة، فهل لدى القيادة الصينية القناعة بتغيير سلوكها تجاه قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان، وجعله يسير في نفس طريق التطور والتقدم الاقتصادي؟