الصحافة بين شرف المهنة والموت

السجن والاختطاف والقتل ثلاث مترادفات، كانت دائماً على مر التاريخ من المخاطر المهنية المحتومة لمهنة الصحافة، التي تعتبر أهم وسائل التعبير المكرسة لخدمة البشرية، حيث أصبح الصحافي والمراسل والمحرّر المثالي والمكافح بشجاعة ضد الفساد والأخطاء الفاضحة وأصحاب النفوذ والمصالح ضحايا دوافعهم وإخلاصهم في أداء هذه المهنة الشاقة والمتعبة.

وعلى الرغم من كافة المحاذير التي يتخذها الصحافيون من أجل حماية أنفسهم من الاعتداءات المتكررة بحقهم، فإن مكامن الخطر مازالت تتربص بهم وتفتك بحياة أعداد كبيرة منهم.

ففي التقرير السنوي الذي أصدرته منظمة «مراسلون بلا حدود» الدولية في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2013، كشف بصورة شاملة ومأساوية عن تعرض العديد من الصحافيين حول العالم إلى مخاطر كبيرة خلال تأدية واجباتهم الصحافية، وتتعدى الصور الاعتقال والسجن والاختطاف والانتقام والاغتصاب، لتصل أحياناً إلى مستوى الموت. في التقرير يظهر ببساطة حجم الجرائم الوحشية ضد من يعتبرون عملهم الصحافي خدمةً لشرف المهنة وارتباطهم بها، وفضح الفساد والمحسوبية وانتهاك الأعراف والحريات العامة والكرامة الإنسانية.

وتحدث تقرير المنظمة الدولية عن سقوط ضحايا كثيرة من الصحافيين في مختلف مناطق العالم خلال العام 2013، بلغت قرابة 71 موظفاً في مختلف وسائل الإعلام و39 مدوناً في مختلف مناطق العالم. وهذه الأعداد يمكن أن تزداد في ظل اتساع نطاق الحروب والاضطرابات الأهلية، التي تحدث في البلدان التي يسودها عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وخصوصاً في الشرق الأوسط وأفريقيا، بسبب غياب الديمقراطية والحكم الدستوري وحقوق الإنسان.

ويشير تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» إلى أن سورية والصومال وباكستان هي من بين أخطر خمس دول في العالم، بالإضافة إلى الهند والفلبين، التي يتعرض فيها الصحافيون إلى مخاطر عديدة ترتقي من مستوى الاعتقال والسجن إلى مستوى الموت.

وفي العام 2013 شهدت هذه الدول وغيرها من الدول التي تنتهك حرية الصحافة، زيادة ملحوظة في عدد الصحافيين المخطوفين، بلغت حوالي 87 مخطوفاً، أكثر من نصفهم في سورية، وأكثر من 178 صحافياً يتواجدون في سجون الصين وتركيا وأريتريا وسورية وإيران وفيتنام، ويواجهون المعاملة القاسية وصنوف التعذيب.

ومن جانبها تحدثت لجنة «حماية الصحافيين» التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، في تقريرها الجديد الصادر في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2013، عن مقتل 21 مراسلاً صحافياً في سورية، و6 صحافيين في مصر و5 في باكستان و4 في الصومال و3 في العراق و3 آخرين في البرازيل و2 في مالي و2 في روسيا و1 في كل من تركيا وكولومبيا والفلبين وبنغلاديش والهند وليبيا.

وللعام الثاني تعتبر تركيا الدولة التي يسجن فيها أكبر عدد من الصحافيين، تليها مباشرة الصين وإيران، حيث أن الدول الثلاث تضم أكثر من نصف عدد المراسلين الذي يصل إلى 211 معتقلاً في أنحاء العالم في العام 2013.

وبحسب المدير العام للجنة «حماية الصحافيين» جويل سيمون، ان وضع الصحافيين في السجون هو دليل قاطع على مجتمعات غير متسامحة وقمعية. ويضيف سيمون أن «ارتفاع عدد الصحافيين المعتقلين في الفترة الأخيرة في كل من مصر وفيتنام، أمر يدعو إلى القلق، ولكن ما هو مثيرٌ حقاً للصدمة، أن تكون تركيا هي البلد التي يسجن فيها أكبر عدد من الصحافيين للعام الثاني على التوالي».

وتعتبر لجنة حماية الصحافيين، مجال تغطية الأخبار السياسية هو الأكثر خطورة لعمل الصحافيين، ويليه مجال تغطية مسائل الفساد وفضح انتهاكات حقوق الانسان.

وفي سورية التي تشهد حرباً طاحنة، فإن عدد الصحافيين المعتقلين قد تقلص من 15 صحافياً في العام 2012 إلى 13 في العام 2013، لكن تم اختطاف قرابة 30 مراسلاً صحافياً أجنبياً منذ بدء النزاعات المسلحة، ومن بينهم الأميركيان أوستن تايس وجيمس فولي؛ والفرنسيون ديديه فرانسوا وإدورد الياس ونيكولا هينين وبيار توريس. هذا العدد سوف يزداد في ظل استمرار الحرب والحملات الانتقامية التي تشنها الفصائل المسلحة ضد الصحافيين المحايدين الذين يندفعون في إظهار تأكيدهم على شرف المهنة وارتباطهم بها.

وتحدث كل هذه العمليات المقلقة والمفزعة ضد الصحافيين، ولايزال المجتمع الدولي عاجزاً حتى الآن عن تنفيذ برامج وقائية للحد من الجرائم المتكررة التي ترتكب بحق الصحافيين، حيث لا توجد حتى اللحظة أية مشاريع عملية لحماية أمن الصحافيين، أو حتى آلية جدية يتم من خلالها تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى المحاكم الدولية.

Loading