جاسم بوشهري… ناشط في الظل

ودعت الحركة الشعبية وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) في البحرين يوم الأحد، الخامس من يناير/ كانون الثاني 2014، الفقيد جاسم عبدالمحسن بوشهري، الرجل الذي ظل منذ سنوات الثمانينات في القرن الماضي يناضل في الظلّ من أجل القضية الوطنية، وقضى معظم هذه السنوات يمثل صوتاً متمرداً على الطابع الاقتصادي الذي ظلّ يتمتع به أفراد عائلته الثرية، وبقى ملتصقاً بقضايا الوطن، حيث كان مبادراً دائماً في كل عمل تطوعي اجتماعي يخدم العمل الوطني في البلاد.

وعندما التحق جاسم بوشهري بكلية الهندسة في جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأميركية، سارع بمعية رفيق دربه هناك إبراهيم شريف السيد (الأمين العام الحالي لجمعية العمل الوطني الديمقراطي) بتسجيل العضوية العاملة في الاتحاد الوطني لطلبة البحرين (فرع الولايات المتحدة الأميركية)، وأصبح من ضمن الطلبة الناشطين والمدافعين عن حقوق الطلاب البحرينيين في عموم الولايات المتحدة الأميركية، وكان أحد المساهمين في تحرير وإصدار نشرة «الوطن» الطلابية الشهرية، المحسوبة على الأدبيات الإعلامية للجبهة الشعبية في البحرين، ثم التحق بعد ذلك بقواعد الجبهة الشعبية، وكان مخلصاً لمبادئها وأهدافها الوطنية.

وبعد عودته إلى البحرين في العام 1982 بدأ حياته بالعمل في التجارة، إلى جانب تمسكه وارتباطه بمسيرة العمل الاجتماعي والسياسي الذي بدأه مع الجبهة الشعبية التي كانت تمارس نشاطها السياسي والحقوقي في ذلك الوقت من تحت الأرض، بسبب الرقابة الأمنية المشددة التي فرضها «قانون أمن الدولة» على التحركات السياسية التنظيمية والشعبية.

وخلال فترة الانفتاح السياسي في البحرين العام 2000 كان جاسم بوشهري من بين النشطاء الأوائل الذين شاركوا في تأسيس جمعية «وعد»، التي تعتبر أول جمعية سياسية معترف بها في البحرين وعلى مستوى الخليج، وهو من الذين ساهموا بتشييد مقرها المركزي في منطقة أم الحصم، ولاحقاً مقرها الفرعي في مدينة المحرق، وتسلم عدة مناصب قيادية في الجمعية من أبرزها المكتب السياسي واللجنة المركزية والأمين المالي.

وأتذكر في آخر لقاء معه قبل أسابيع من مغادرتي البحرين في العام 2007 إلى المنفى الاختياري في الدنمارك، تحدّث لي عن حلمه بتشييد مقار أخرى للجمعية في مختلف المدن والقرى البحرينية، وأن تصبح البحرين في ظل الانفتاح واحة للتعددية الحزبية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن يسود ربوعها الأمن والاستقرار.

كان جاسم بوشهري وفياً ومخلصاً ومؤمناً بالأفكار والتطلعات التي يحملها المناضل الوطني الكبير المرحوم عبدالرحمن محمد النعيمي، وكان كلما التقيت به يحدثني عن كل مآثر النعيمي الذي وضع بصماته بقوة على مستوى النشاط السياسي الوطني والقومي والأممي، ويصف لي كيف كان يحلم منذ أن كان ناشطاً في قواعد الجبهة الشعبية، بأن يصل إلى مستواه السياسي والأخلاقي والفكري والإنساني الذي كان يسمع عنه في ذلك الوقت، ويحسدني بأنني رافقت النعيمي في خندق واحد طوال 25 عاماً من العمل السياسي.

ولاشك أن غالبية «الوعديين» يتذكرون تواضع المناضل جاسم بوشهري وبساطته وكرمه وأخلاقه وسعة صدره، وانطلاقه بالرؤى التحليلية الجوهرية حول المسائل المتعلقة بقضايا الوطن والابتعاد عن الأضواء والمظاهر الرنانة التي يستغلها الآخرون من أجل الشهرة، بقدر ما كان مخلصاً للعمل الذي يخدم القضية الوطنية.

رحم الله الفقيد المناضل جاسم بوشهري وأسكنه فسيح جنانه إلى جانب شهداء الوطن أجمعين.

Loading