الثورات الاجتماعية في أوروبا الشرقية سبقت الربيع العربي

ثورات الربيع العربي التي يحلو للبعض تسميتها بـ «ثورات العدالة الاجتماعية والديمقراطية والكرامة» التي شهدتها بعض العواصم العربية قبل ثلاث سنوات، سبقتها «الثورات الشعبية المخملية» التي اجتاحت عواصم كتلة دول أوروبا الشرقية ذات الحكم الشيوعي الشمولي، حيث استمرت تلك الأنظمة قرابة خمسة عقود، وهي تحث الخطى في انتهاك حريات المواطنين.

وبعد عقدين من نهاية ثورات الجياع والمثقفين والعمال «المخملية» في دول أوروبا الشرقية، لاتزال الحكومات «الديمقراطية» التي صعدت إلى السلطة، عاجزةً عن تحقيق كل ما وعدت به شعوبها من دخول «جنة اقتصاد السوق» إلى بحبوحة العيش المشترك وتوفير الفرص الاجتماعية والعمل وتقاسم الثروة الوطنية. فلا النمو الاقتصادي تحقق كما كان يفترض ومخطط له على مدى عشر سنوات من التغيير، ولا فرص العمل توفرت لغالبية المواطنين، بل على العكس… توسعت نسبة البطالة بين مختلف فئات المجتمع، وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية نتيجة وقف الدعم الحكومي، ونشطت حركة هجرة اليد العاملة الرخيصة وكذلك العقول المفكرة إلى دول أوروبا الغربية الغنية.

وعكست استطلاعات الرأي في معظم هذه الدول الاستياء الشعبي من البرامج التنموية الهشة التي ظلت تطرحها الحكومات المتعاقبة على السلطة، إضافةً إلى تفشي الفساد والرشى في مختلف مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية، وسيطرة الطبقات الحاكمة على الاقتصاد. كل هذه الأمور أثارت مخاوف البعض من احتمالات العودة إلى زمن القهر والبطش وخنق الحريات، الأمر الذي أدّى إلى تنظيم الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية والعمالية المطالبة بحدوث الإصلاحات الحقيقية والجوهرية، وتوفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة، ووقف استغلال الشركات المتعددة الجنسية للعمالة المحلية .

وواقع الحال بالنسبة إلى شعوب دول الكتلة الأوروبية الشرقية في ذلك الوقت، وحتى بعد انهيار الجدار الحديدي، كان يعكس حالة عامة مفادها، أن هذه الشعوب التي خرجت من القمقم إلى الشارع شاهرةً سيوفها على الظلم والاستبداد وقمع الحريات، والتي استطاعت من دون أن تخوض معارك سفك الدماء، باستثناء ما حدث في رومانيا من قتال شرس بعد إسقاط حكم الدكتاتور نيكولاي شاوشيسكو واعتقاله ومحاكمته وإعدامه وزوجته ماريا رمياً بالرصاص… أن تسقط عروش الأحزاب الشيوعية الحاكمة، التي فرضت قبضة طاغية على كل مفاصل الدولة والمجتمع. هذه الشعوب لم تعد الآن قادرة على تحقيق كل ما كانت تناضل من أجله، وبدأ بعضها يستسلم للقنوط والإحباط بعد شعوره بأن الأوضاع الحياتية اليومية لم تتغير كما هو مطلوب، بل تسير من سيء إلى أسوأ؛ وأن التنمية الموعودة أصبحت مجرد أوهام، أو كادت أن تقضي عليها الحلول الجاهزة والسريعة التي تتبناها مشاريع الأحزاب الحاكمة الجديدة، والتي لم يستفد منها سوى الطبقات الحاكمة ومن يدور في فلكها، وكذلك الشركات العملاقة المتعددة الجنسية، التي مابرحت تبسط نفوذها على محركات الاقتصاد الوطني، وتفرض شروطها على مستويات البيع والشراء، في وضعية مأزومة لم يعد خلالها المواطن العادي قادراً على مواجهتها، في وقت كان يجب أن تبدو فيه متوازنة وملبية لحاجات المجتمع التي أنهكت كاهله ظروف الحياة الصعبة والقاسية.

المواطن الذي ظل يكابد فقط من أجل الحصول على كسرة الخبز، كانت متوفرة له بصورة شبه مجانية في ظل حكم الأنظمة الشيوعية، التي تصدى لها بقوة وأسقط عروشها من خلال الثورات الاجتماعية الكبرى في ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي.

Loading