حدث في الولايات المتحدة
حكمت إحدى المحاكم الأميركية، في السابع من يناير/ كانون الثاني 2014 بالسجن ثمانية أشهر، على المواطن الأميركي جوريكي هاندلي (61عاماً)، وهو المسئول التنفيذي السابق لدي شركة (إيه. جي. سي) المتخصصة في مجال الفضاء والدفاع في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بسبب توجيهه صفعةً إلى وجه طفل أسود، ووصفه بـ «الحثالة»، خلال رحلة جوية داخلية إلى ولاية أتلانتا، لا لشيء إلا لأنه كان يبكي، وذلك رغم الاعتذار الذي تقدّم به هاندلي إلى والدة الطفل المجني عليه، معتبراً تصرّفه كان خاطئاً وسيبقى يمثل له يوماً سيئاً في حياته.
هذه القضية أعادت إلى أذهان الأميركيين السود ذكريات سنوات العهود السوداء في حياتهم من خلال احتقارهم واستعبادهم في الولايات المتحدة الأميركية، وقت كان المواطنون البيض يرفضون مخالطة السود في الأماكن العامة والطائرات والحافلات وغيرها من وسائل النقل العام. وقد عبّر المدافعون عن الحريات والمساواة الاجتماعية عن قلقهم حول هذه الحادثة التي أثارت ردود أفعال قوية في أوساط المجتمع الأميركي.
حدث هذا في بلدٍ متقدم وله مكانته في مجال الحقوق والحريات، ولكن في الدول التي لم يكتمل بناء مؤسساتها على صعيد العدالة الاجتماعية والقضائية، تبقى الشفافية والعدالة والمحاكمات القانونية والنزيهة مجردة من كافة الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية والدستورية، حيث لا يأخذ القضاء مجراه ضد من يرتكب الموبقات الكبيرة وينتهك حقوق الناس، خصوصاً من جانب الذين يفترض أنهم يخدمون القوانين ولكنهم يتجاوزون الحدود الموكلة لهم.
كلنا يتذكر أن «الصفعات» و«اللكمات» وحتى إطلاق الرصاص على الناس عندما يخرجون للاحتجاج السلمي من أجل المطالبة بحقوقهم من دون أية مبررات قانونية، في مختلف البلدان التي تنتهك الحريات العامة وحقوق الإنسان، لم تجد رادعاً لها، حتى في المحاكم الصورية، ويتم تبريرها دائماً عن طريق الادعاء بمكافحة العنف والتخريب الشعبي، ما يعني عملياً تبرئة المعتدي وتجريم المعتدى عليه، وتفرض النزعة التسلطية قراراتها وتصدر أوامرها بحسب ما تشاء وترغب.
في كل البلدان التي تمارس فيها الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وتفرض الرقابة على الحريات وتتذرع بمسألة المحافظة على الأمن والاستقرار، لم تعد قادرة اليوم على مواكبة عصر الديمقراطية وحقوق الانسان واستقلالية القضاء حتى لو أصبحت تنسخ المناهج المبتكرة في الدول المتقدمة، وهذا يعني أن بنية سياساتها وأنظمتها تعتمد بشكل متزايد على فرض القوة وليس على فرض القانون، بينما تقوم سياسات الدول المتقدمة التي تحترم دساتيرها وإرادات شعوبها بالتخطيط لعشرات السنين من أجل تطوير وتحديث قوانينها وتوفير سبل التنمية.
وبهذه الإيقاعات كلها تصبح العدالة قائمة، والأمن والاستقرار يعم ربوعها، فيما يبقى الفارق شاسعاً مع الدول التي فشلت في تحقيق العدل الاجتماعي والتنمية لشعوبها، وإن ظلّت تتفاخر بفضائل الأنظمة السياسية والتشريعية والقضائية التي تدّعي العمل بها. ولذلك يتطلب من هذه الدول إذا ما أرادت مواكبة العصر واللحاق بقطار الدول المتقدمة، أن تعمل بجدٍ على إعادة النظر في سياساتها القمعية وتغييرها، تفادياً للاحتجاجات الوطنية والاعتراضات والانتقادات الدولية، لأن مصدر قوة السلطة أو الحكم هو احترام القوانين والدساتير والإرادة الشعبية.