ورطة الغرب القاسية
لاشك أن هناك معلومات واضحة وخطيرة تتوارد بشكل يومي، إلى أجهزة الاستخبارات في الدول الغربية، حول كل شاردة وواردة عن تحركات الجهاديين الأوروبيين، الذين يقاتلون إلى جانب الفصائل الإسلامية المسلحة في المعارك العسكرية الدائرة على الأراضي السورية، اضطرتها إلى تكثيف الاهتمام بمتابعة ملفات الأشخاص والخلايا الإرهابية المنظمة، التي يعتقد بأنها تتولى عمليات تحريض «الجهاديين الأوروبيين»، وإرسالهم إلى القتال في سورية ضد القوات الحكومية الرسمية وأنصارها، خصوصاً بعد التقارير الموثقة، التي حصلت عليها بعض الدول الأوروبية، عن مقتل العديد من الجهاديين في المعارك، واستعداد آخرين للعودة إلى بلدانهم لأسباب عديدة، من أبرزها نشوب الخلافات داخل الفصائل المسلحة، وانحرافات بعضها عن قيم وأصول الواجبات الدينية والمبالغة في قضايا الجهاد، إضافةً إلى تفشي مظاهر الانتقام غير المبررة والفساد الاقتصادي في صفوف القادة البارزين في مختلف هذه الفصائل.
وبدأت هذه الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، في استكمال ما كانت قد رصدته من معلومات منوعة عن طلائع الجهاديين الأوروبيين الأوائل للقتال في سورية، وكذلك كل ما هو جديد عن الخلايا الإرهابية، التي قد تحتضن العائدين منهم، ولكن بأساليب أكثر تشدداً، وتحديداً من ناحية المراقبة الإستخبارية باستخدام التكنولوجيا المتطورة، من أجل التصدي بقوة للعمليات التخريبية أو الإرهابية المحتملة بعد عودة الجهاديين إلى بلدانهم في أوروبا.
وتمثلت هذه الاستعدادات في سلسلة من التصريحات الإعلامية والتحركات الإستخبارية المشتركة وشبه المشتركة بين أجهزة الأمن الأوروبية، التي تهدف إلى إظهار أن الغرب قد يكون قادراً على رصد تحركات مجاميع الجهاديين وتهديداتهم وعملياتهم التخريبية واعتداءاتهم المحتملة في أوروبا. وهذا ما أشارت إليه بعض المصادر الأمنية البريطانية في الفترة الأخيرة، بأنها قد تعرفت على أكثر من 100 عنصر من الخلايا الجهادية في بريطانيا معروفين بميولهم الأصولية المتشددة وجميعهم تحت المراقبة.
ومن الواضح تماماً في هذا الشأن أن أجهزة الاستخبارات الأوروبية، مازالت مقتنعة بأنها قادرة على مواجهة معظم العمليات الجهادية الخطيرة، بأساليب متعددة ومتطورة، لكن الواضح أيضاً أن تلك الاستخبارات لا يمكن أن تستهين بقدرات هؤلاء الجهاديين المعبئين فكرياً وعقائدياً بقضايا الجهاد في سبيل الإسلام والمسلمين، والموعودين بـ «الجنة»، والمدربين على استخدام أنواع الأسلحة بوسائل حديثة، من أجل القيام بعمليات إرهابية ضد الكفار، إذا ما شدّدت هذه الأجهزة الخناق عليهم بصورة مرعبة ومخيفة. كما أن الخوض معها في معارك إعلامية وأمنية مباشرة من دون أية مبررات كافية لتفنيد اتهاماتها لهم بالتورط في الإعداد لعمليات تخريبية أو إرهابية، يحمل إمكانية فتح أبواب المواجهات العنيفة ضدها في المراحل القادمة، التي قد تكون قاسية ومأساوية على المجتمعات الأوروبية، التي بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، في الولايات المتحدة الأميركية وتفجيرات لندن في 7 يوليو/ تموز 2005 التي استهدفت قطارات مترو الأنفاق وراح ضحيتها أكثر من 52 قتيلاً وإصابة قرابة 700 شخص بجروح مختلفة، والتفجيرات التي تلتها في العام 2007، وسبقها تفجير قطارات الأنفاق في مدريد في العام 2004 حيث سقط عشرات الضحايا، وهي اليوم تنعم ببعض الهدوء الأمني الحذر، الذي غابت عنه الأعمال الإرهابية الكبيرة والخطيرة.
وبحسب الإحصاءات التي رصدتها مراكز الدراسات الأوروبية المتخصصة في قضايا الإرهاب، هناك أكثر من 20 ألف مقاتل أجنبي في مختلف الأراضي السورية، بينهم جهاديون إسلاميون قادمون من مختلف العواصم الأوروبية، ويشكل العرب الأوروبيون حوالي 80 في المئة منهم، يضاف إليهم مئات الأشخاص الذين جاءوا من الولايات المتحدة وكندا واستراليا خلال المراحل الأخيرة.
هذه الأعداد الهائلة من الجهاديين الأوروبيين، وضعت الاستخبارات الأوروبية في مواضع صعبة وقاسية، حيث قد يستحيل عليها تشديد المراقبة الدقيقة والحازمة والمؤكدة، خصوصاً عندما تكون الاستراتيجية الأمنية في دول الاتحاد الأوروبي غير متجانسة نظراً لخصوصيات بعضها في المسائل الأمنية الداخلية، وهشاشة البعض الآخر في كشف العمليات الإرهابية بشكل دقيق وفوري، وهو ما يعني أن قدرة الاستخبارات الأوروبية في التصدي للأعمال التخريبية والإرهابية المحتملة لخلايا الجهاديين العائدين إلى أوروبا أو المقيمين فيها، تظل موضع قلق متزايد حول ما يمكن الإعداد والتحضير له من قبل هؤلاء، إذا لم تتم هناك عمليات تنسيق مباشرة لاستكمال وسائل العمل الأمني المشترك بين جميع أجهزة الاستخبارات الأوروبية للتصدي لكل المحاولات الإرهابية المحتملة بشكل موسع ومنهجي.
هناك دراسات أوروبية عديدة، من بينها بعض تقارير «المركز الدولي لدراسات التطرف» أظهرت أن معظم الجهاديين الذين سافروا إلى القتال في سورية، أصبحوا يشكلون تهديداً للأمن والإستقرار في أوروبا لأنهم قد تورطوا في عمليات إرهابية متنوعة داخل الأراضي الأوروبية، بعد أن اكتسبوا الكثير من التدريبات العسكرية والقتالية على أرض المعركة، وقد يعتبرون أشد خطورة من الجهاديين الآخرين التابعين لخلايا محلية تنقصها بعض الخبرات الأساسية والمهمة في قضايا الإرهاب.
هذا الأمر الحساس والشديد الخطورة يقلق جميع الحكومات الأوروبية… فهل تستطيع التصدي له؟