الفساد والسلطة في أوروبا

لا تقتصر مشكلات الفساد والرشوة على البلدان الفقيرة والنامية، التي لا تبدي فقط تسامحاً مع منتهكي القوانين والاجراءات الوطنية المعمول بها لمكافحة مختلف قضايا الفساد، وإنما تشجّع على ممارستها لأسباب سياسية واقتصادية صرفة، بل تشمل كذلك البلدان الغنية والمتقدمة، التي تضع محاربة الرشوة والفساد الإداري في مقدمة الأولويات الإجرائية، وتسعى للقضاء عليهما عبر مختلف القوانين والتشريعات المشددة والصارمة.

في أول تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي للعام 2013 بشأن الفساد في دول الاتحاد الأوروبي، تحدّث التقرير عن وجود مشكلات كثيرة ومقلقة، في قضايا الفساد تعاني منها جميع دول الاتحاد، ولكن بدرجات متفاوتة بين دولة وأخرى، ما يعني أن تطبيق استراتيجية مكافحة الفساد التي وضعها الاتحاد الأوروبي، لم تحقق كل أهدافها المنشودة.

تقرير المفوضية وصف مظاهر الفساد الواسعة النطاق في غالبية دول الاتحاد بـ «الخطيرة والمثيرة للدهشة»، ولا تنسجم مع الشروط والقوانين الوطنية والأوروبية، التي يتوجب الالتزام بها وتطبيقها على أرض الواقع، وأنها أصبحت تكلّف موازنات حكومات الاتحاد خسائر هائلة تقدر بحوالي 120 مليار دولار سنوياً.

ولاحظ تقرير المفوضية الأوروبية، أن مختلف مشكلات الرشوة والفساد الإداري، أخذت تتسع بشكل خطير وملفت خصوصاً في دول أوروبا الشرقية والوسطى، مثل بلغاريا ورومانيا واليونان، حيث ينتشر في أوصالها الفساد بشكل مطرد وخصوصاً في المضاربات المالية والصفقات العامة والأنظمة الصحية، ولم تعد تكترث بضرورة تحقيق إصلاحات ملحة بشأنها.

في المقابل، يقول التقرير، أن هناك بعض الدول مثل السويد والدنمارك وفنلندا وألمانيا، تتقلص فيها نسبة الفساد والرشوة، وتتمتع بمصداقية عالية في مكافحته من خلال تطبيق القوانين والإجراءات والمكاشفة والمساءلة والمحاسبة، وعدم التسامح إزاء أيّ خرقٍ للقانون، ومقاومة الحركات التي قد تشجّع على سوء الائتمان وقبض الرشاوى وتبذير الأموال العامة.

ويعترف تقرير المفوضية بأن هناك صعوبات بالغة تعترض طريقها لمعالجة مشكلات الفساد بالوسائل الجدية والملزمة، بسبب أنها لا تمتلك سلطة القرار بفرض القوانين والإجراءات.

وكان تقرير سابق أصدرته منظمة الشفافية الدولية للعام 2013، حول مؤشرات الفساد في العالم، قد تحدّث بشكل موسع عن قضايا الفساد في دول الاتحاد الأوروبي، وقال إنه على الرغم من تصدّر بعض الدول مثل الدنمارك والسويد وفنلندا قائمة الدول العالمية، في الحد من تفشي مظاهر الرشوة والفساد الإداري وتوفير الملاحقات القضائية لمنتهكي القوانين والإجراءات بشأن الفساد، فإنه في مقابل ذلك هناك دول مثل سلوفينيا وأسبانيا والبرتغال، مازالت تحتل مراكز متأخرة في قوائم المؤشرات في منطقة اليورو، وتواجه زيادةً في مستويات الفساد، بسبب تراكم المشكلات في قطاعاتها المصرفية.

ويمكن للبعض أن يتذكّر في سياق التقارير الأوروبية السابقة حول قضايا الفساد في بعض دول الاتحاد الأوروبي، والتي تحدّثت عن عمليات فساد وفضائح مالية تورط بها عدد من كبار المسئولين في الأجهزة الحكومية الرسمية، من خلال المضاربات وعقد الصفقات التجارية وقبول الهدايا المالية للاستفادة منها في معارك الانتخابات الرئاسية أو التشريعية. ونذكر منهم على سبيل المثال قيادات متقدمة في الحزب الاشتراكي البلجيكي، الشريك الأساسي في حكومة جون لودي زعيم حزب الشعب المسيحي، بعد إنجاز صفقات شراء طائرات إيطالية لحساب القوات المسلحة البلجيكية. تلك الصفقات أطاحت بوزير الخارجية البلجيكي ويللي كلايس في العام 1995، وكذلك «الهدايا المالية» الضخمة التي حصل عليها وزير الداخلية الفرنسية الأسبق نيكولاي ساركوزي، من ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي، لاستخدامها في زيادة رصيده السياسي في معركة الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وأوصلته بحسب العقيد القذافي في إحدى تصريحاته قبل مقتله، إلى الفوز في الانتخابات بنسبة 53.2 في المئة من أصوات الناخبين الفرنسيين، ليصبح بعد ذلك سيداً لقصر الأليزيه في 16 مايو/ آيار 2007. وتلك عينات عمّا وصلت إليه قضايا الفساد في أوروبا.

Loading