تصدير الموت إلى إفريقيا

التقارير الاقتصادية الصادرة بين فينة وأخرى من عدة عواصم أوروبية، حول تصدير شحنات ضخمة من فضلات الأطعمة والمواد الغذائية المنتهية فترة صلاحيتها في الأسواق الأوروبية، إلى مئات الملايين من الفقراء في أفريقيا، لا يمكن اعتبارها مجرد مهمة «خيرية» يقصد من خلالها لفت الأنظار إلى أن الغرب يقوم بواجباته الانسانية والأخلاقية تجاه الفقراء في أفريقيا، بل هي أكثر من مغامرة وحشية تغزو بيئة كئيبة ومنكوبة بالجوع والفقر المدقع والكوارث الطبيعية والحروب الأهلية، التي أنهكت كواهل شعوبها على مر التاريخ.

وعلى رغم الاقتناع بأن هذه المهمة تدخل في صلب «القضايا الخيرية»، وأن تطلعات الشعوب الفقيرة تتجه دائماً نحو الدول الغنية والمنتجة، من أجل انتشالها من براثن الفقر والعوز المادي، فإنه ليس من المعقول، أن تستغل هذه الدول ظروف الحياة المعيشية الصعبة لملايين الفقراء، وتغامر بإرسال شحنات هائلة من فضلات ملوثة موائد شعوبها من فائض منتجات

الصناعة الغذائية المكدّسة في مخازن ومستودعات المواد الاستهلاكية القديمة، إلى مناطق هي أصلاً منكوبة بالكوارث الصحية، بذريعة أنها تريد أن تنقذ أرواحاً بشرية تصارع الجوع والموت.

المؤلم في الأمر، أن الدول الغربية التي دأبت على توجيه الانتقادات إلى الدول التي تنتهك الاتفاقيات الدولية بشأن حماية حقوق المستهلك والتي تلحق الضرر بحياة ملايين الأشخاص المستهلكين لتك المواد الخطيرة وتتيح المجال إلى شعوبها بالاستفادة من إرشاداتها ومعلوماتها المتعلقة بالأوضاع الاجتماعية والصحية، تواصل السعي المحموم من أجل التخلص من فضلات موائدها المهدورة، وتقوم بإعادة إنتاجها وتصديرها، إلى الفقراء والجوعى، ما يمثّل مفارقةً ساخرةً وعجيبة، إذ أن ذلك يعني عدم الاكتراث بمصير أرواح الملايين من البشر.

وبينما تعتبر المنظمات الإنسانية أن هذا التوجه، قد يمثل إساءات بالغة إلى سمعة الدول المصدرة للمواد الغذائية الملوثة، إلى دول العالم الفقيرة، وتطالبها باحترام التعهدات والشروط الدولية المتعلقة بالقضايا الصحية، تحاول بعض الحكومات الغربية تبرير هذه المسألة «الانسانية» الملحة بالقول أنها ترسل الغذاء لمساعدة فقراء العالم على مواجهة ضغوط الحياة المتزايدة، وتعبيراً عن شعور بالألم تجاه ما يعانيه فقراء أفريقيا من وطأة الجوع.

ومهما يكن الأمر بحسب الخبراء، فإن ذلك قد يعرض حياة الآخرين للخطر، وسوف يزيد بشكل أوسع من معاناتهم وأوجاعهم، وتلحق بهم الأضرار الجسدية والعقلية البالغة، بشكل يفوق ما تلحقه بهم الكوارث الطبيعية وحروب الإبادة الوحشية، وأن كل ما قد يعتبر «نافعاً» قد يتحوّل إلى كوارث صحية.

وقد تحوّلت في السنوات الأخيرة عدة دول افريقية وخصوصاً مناطق جنوب الصحراء، إلى بوابات مهمة لمرور وتهريب الأطعمة والمواد الغذائية الفاسدة والملوثة، التي يتم جلبها من مناطق عالمية عديدة، وكان يمكن للمنظمات الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة، أن تشدّد الرقابة الصارمة على عمليات تصدير المواد الخطرة والقاتلة وتدينها كما كانت تدين الشركات التجارية العملاقة المتعدّدة الجنسية، لمساهمتها في ترويج منتجاتها من الأغذية والأدوية الفاسدة والتبغ في أسواق الدول النامية والفقيرة، وتفرض عليها شروطاً صارمة وشديدة.

وتعترف منظمات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان ومكافحة الفقر، بأن القارة الأفريقية برمتها تشهد موجات متكررة من الكوارث الطبيعية والحروب الأهلية، وأوضاعاً معيشية صعبة وقاسية، وأن كافة الجهود المبذولة لكبح جماح مشكلات الجوع والفقر المدقع في أفريقيا لم تنجح رغم كافة الجهود المبذولة للحد من تكرار المآسي، التي تهدّد حياة الناس والطبيعة. وكذلك وفرة المساعدات الاقتصادية المقدّمة لها، وذلك بسبب كثرة الفساد وعدم تعامل الحكومات الأفريقية الرسمية مع هذه المساعدات بشفافية تامة، وتجاهلها للشروط الدولية، التي وافقت على الالتزام بتنفيذها على أرض الواقع. فيما تحدث تقرير المنظمة البريطانية لمبادرة التنمية ومكافحة الفقر عن أن أفريقيا تعاني من أعلى نسب فقر على المستوى العالمي، وأن كافة مناطقها وخصوصاً الجنوبية منها، تحتاج إلى خدمات ضرورية وملحة من أجل التصدي لمختلف مظاهر الجوع والفقر والكوارث البيئية.

ويتوقع خبراء البيئة، أن يتعرّض أكثر من 325 مليون إنسان في 49 دولة فقيرة، تأتي في مقدمتها إفريقيا، إلى ظروف مناخية صعبة وقاسية بحلول العام 2030، ما يتوجب على الدول المانحة توفير الأموال اللازمة لمواجهة كافة التداعيات السلبية، التي يمكن أن تنجم عنها مشكلات خطيرة ودائمة في حياة الملايين من الفقراء.

Loading