تمرد فرنسا

في خطوة يبدو أنها رسالة تعبير عن شعور غالبية الشعب الفرنسي، هناك استياء وحساسية وطنية من كيفية إدارة الأمور في البلاد، وخيبات أمل متراكمة من الطروحات والتوجهات والبرامج الوطنية، التي تطرحها الأحزاب الحاكمة وقوى المعارضة على حد سواء، وذلك لأول مرة في تاريخ فرنسا الحديث والمعاصر.

هكذا جاءت الاستطلاعات الأخيرة، التي أجرتها مراكز الدراسات وقياسات الرأي الفرنسية، بالتزامن مع التحضيرات الأولية للأحزاب السياسية الفرنسية لخوض الانتخابات الوطنية والأوروبية، في الربيع المقبل.

في آخر استطلاعٍ للرأي أجراه «معهد إيبسوس» بشأن «التصدعات» في البنى السياسية والاقتصادية الراهنة في فرنسا، كانت إجابات غالبية الأشخاص الذين شاركوا في الاستطلاع، بأن البلاد تشهد اليوم تراجعاً ملحوظاً على

المستويين السياسي والاقتصادي، ويتطلب منها تكريس إرادتها المستقلة، واستعادة بعض سلطاتها من الاتحاد الأوروبي، التي فقدتها في الفترة الأخيرة لمصلحة بريطانيا وألمانيا.

وقال قرابة 92 في المئة من المشاركين في الاستطلاع، إنهم فقدوا ثقتهم السابقة في الحكومة الحالية وأحزاب المعارضة على حد سواء، في ما وصف بأن معظم أنشطتهم وصلت بالفعل إلى الحضيض، في ما لايزال أكثر من 35 في المئة يثقون في السياسات المصرفية المعمول بها في البلاد، أكثر من ثقتهم في المسئولين السياسيين المنتخبين سواء على المستوى الحكومي أو التشريعي.

هناك المسئولون الذين لم يستطيعوا تحقيق الكثير من الوعود والتعهدات التي على أساسها تمت عمليات انتخابهم، وكان هناك بعض من حكموا فرنسا متورطين

في مسائل أخلاقية وفضائح فساد وتركوا خلفهم فجوات كبيرة كانت كفيلة بتشويه بعض تاريخهم في النضال السياسي. كما كانت هناك مستويات مرتفعة من تشكيك المواطنين في قضايا التكامل الأوروبي والعولمة، حيث يطالب قرابة 70 في المئة من الشعب الفرنسي حكومة بلادهم باتخاد المزيد من الاجراءات الضرورية الواقعية على المستوى الوطني أكثر من المستوى الأوروبي، فيما

اعتبر 61 في المئة أن مختلف مظاهر الحداثة والعولمة تمثل «تهديدات واضحة» لكل مصالح فرنسا القومية.

كما أظهر الاستطلاع، مشاعر خيبة أمل من السياسات الحكومية الرسمية تجاه الهجرة المتنامية إلى فرنسا، حيث يقول أكثر من 66 في المئة من الفرنسيين، بأن هناك ما يشبه «الغزو الأجنبي» لفرنسا، في الوقت الذي بدأ يشعر فيه قرابة 59 في المئة من الفرنسيين بأن المهاجرين، أصبحوا عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الفرنسي، ولم يبذلوا جهوداً كافية للاندماج الحقيقي المطلوب في المجتمع.

ويصف بعض المراقبين للشأن الفرنسي نتائج الاستطلاع، بأنها أظهرت تحولاً إجتماعياً حقيقياً، وتصويتاً شعبياً ضد السياسات الخاطئة القائمة الآن في فرنسا، في وقت يتطلع فيه المواطنون إلى تحقيق الرخاء الاقتصادي وكفّ

الحكومة عن فرض الضرائب الباهضة، والإنفاق وسنّ القوانين المجحفة واستعادة السلطة من الاتحاد الأوروبي.

ويعتقد بعض المحللين، إنه إذا لم يحدث تغيير جوهري في السياسات القائمة الآن في فرنسا، فإن السخط والإحباط الواضح لدى غالبية الشعب قد يتحوّل بكل سهولة إلى «حركة تمرد» جماهيرية كاسحة، تهز المياه الراكدة في البلاد، وتعود بها إلى واجهة الأحداث من جديد.

ويذكر أن فرنسا قد شهدت في السنوات الأخيرة، موجات عارمة من الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية والعمالية، المطالبة بتحقيق المسائل الأكثر حيويةً وأهميةً في حياة المواطنين، مثل إصلاح الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وخفض الضرائب وتوفير الفرص الاجتماعية والعمل، والموقف من قضايا الهجرة والاتحاد الأوروبي .

هذه النتائج المخيبة للآمال التي أظهرتها استطلاعات الرأي، توضّح واقع أن غالبية الرأي العام الفرنسي، لا تتوقع أية تغييرات سياسية حقيقية جوهرية، تجاه أوضاعهم المعيشية اليومية، حيث أن معظم القادة الفرنسيين يوجهون كل طاقاتهم في الصراعات الحزبية الداخلية والخارجية، سواء على مستوى الانتخابات التشريعية والبلدية، أو بالنسبة للإنتخابات الأوروبية.

Loading