استبداد السياسة والثروة

تحدثت منظمة «أوكسفام» الخيرية الدولية، في دراسة إحصائية حديثة حول تراكم الثروة الاقتصادية العالمية في أيادي قلة من أباطرة المال والسياسة في العالم، وقالت إن نصف ثروة الأرض البالغة قرابة 110 تريليونات دولار، يمتلكها 1 في المئة فقط من سكان الكون. في الوقت الذي يعيش حوالي 70 في المئة من الأشخاص في براثن الجوع والفقر والمرض، واستلاب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية المشروعة.

وتحرص غالبية الأثرياء على إبقاء ثرواتها الهائلة في زوايا ضيقة محدودة من غاياتها وطموحاتها واستئثارها بكافة الموارد الاقتصادية، وصنع القرارات في أوطانها، بعيداً حتى عن استدرار العطف على المصائب والأهوال التي يتعرض لها الفقراء والجياع في العالم.

هناك 85 شخصاً فقط هم من يملكون نصف ثروة الكون، التي تقدّر -بحسب المنظمة الدولية- بحوالي 1.7 تريليون دولار، ويتولون زمام التحكم بالموارد الاقتصادية وقضايا السياسة في أوطانهم وحول العالم. ولكن استئثار هذه الفئة القليلة جداً من الأشخاص بكل مفاصل الاقتصاد الدولي بعيداً عن تشجيع المساهمات والتبرعات للمشاريع الخيرية والإنسانية العامة والتعاطف مع المحتاجين، يمكن أن يساهم بقوةٍ في توسيع الفوارق الطبقية المستفحلة في المجتمعات بين الأغنياء والفقراء، ويؤدي بالتأكيد إلى اشتداد وطأة التوترات والاضطرابات الاجتماعية، التي تشهدها في هذا الوقت جميع المجتمعات الفقيرة والمحرومة من أبسط حقوق المواطنة المشروعة، والتي تستبد بها وتفرض عليها كامل إرادتها سلطة السياسة والمال.

وترى المنظمة الدولية أن هناك انخفاضاً ملحوظاً وبشكل واسع في هذا الوقت بالذات، حول ما يتعلق بقضايا التبرعات وتمويل المشاريع الخيرية والإنسانية الضرورية والملحة. وبرّرت ذلك الأمر بتوحش واستفحال كل جوانب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العالمية التي عصفت باقتصادات جميع الدول بما في ذلك الدول المتقدمة والغنية، التي كانت ترفد اقتصاد الدول المتهالكة وتدعم القضايا الإنسانية، واتساع التفاوت الاقتصادي بشكل مهول نتيجة القيود المالية والنظم الاقتصادية المنحازة وقواعد تسهيل التهرب من دفع الاستحقاقات الضريبية وتدابير التقشف ومصادرة العوائد النفطية وهيمنة الشركات العملاقة على موارد السوق والتجارة الدولية.

المنظمة الدولية استندت في تقريرها إلى أن تكدّس الثروة في أيادي قلة قليلة من الناس، يمكن أن يعود بعواقب سلبية وخطيرة بالنسبة للحياة المعيشية اليومية للفقراء والجياع، قد تدفع بهم ليس فقط إلى المطالبة بحقوقهم عبر استخدام الوسائل السلمية، بل ربما لمختلف أساليب القوة والعنف لحل المشكلات والأزمات المعيشية التي يعانونها.

ولكل هذه الأسباب، حذّرت المديرة التنفيذية للمنظمة الدولية ويني بيانييميا، من خطورة الأوضاع السياسية والاقتصادية، التي يمكن أن توهن كاهل الشعوب الفقيرة وتشرع الأبواب على الاحتجاجات والاضطرابات، حيث وصفت الشرخ الحاصل في المجتمعات بين الأغنياء والفقراء بـ «المخيف»، وقالت: «من الصعب أن نربح أية معركةٍ ضد الفقر من دون معالجة قضايا عدم المساواة». وأضافت أن «اللامساواة الماضية في التوسع تعمل على خلق حلقة فاسدة يتركز فيها المال والسلطة بين أيادي قلة من الناس، ما يترك الباقين يخوضون معارك المنافسة الضارية للحصول على كسرة الخبز».

وثمة بين المراقبين من يذهب إلى أبعد من ذلك، فيقول إن «المعارك من أجل الكرامة ولقمة العيش ليست مجرد توقعات بل هي أمور واردة في ظل هيمنة وتسلط فئات قليلة محدودة على مختلف مفاصل الاقتصاد والسياسة الدولية».

من جانب آخر رأت دورية «كرونيكل أوف فيلانتروبي» أنه على الرغم من صعوبة فرص منح المساعدات المالية من قبل الأثرياء لدعم المشاريع الخيرية والإنسانية، بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة، يوجد في هذا العالم اليوم، من يساهم بـ «أعمال الخير»، ونشرت قائمة أسماء شكلت قرابة 50 شخصاً ساهموا بتبرعات مالية بلغت قيمتها 7.7 مليار دولار لعدة مؤسسات خيرية وصحية وتكنولوجية وجامعية وثقافية وعلمية، ويأتي في مقدمة هؤلاء المساهمين بالتبرعات، مؤسس شركة «فيسبوك» مارك زوكربيرغ وزوجته بريسيلا تشان، اللذان تبرعا بمبلغ مليار دولار للأعمال الخيرية؛ ورجل الأعمال جورج ميتشل الذي توفى في يوليو/ تموز 2013 وترك مبلغ 750 مليون دولار إلى مؤسسة عائلته التي تعمل في مجال حماية البيئة؛ وفيل نيت المؤسس المشارك في شركة «نايك»، وزوجته بينيللي، بمبلغ 500 مليون دولار لأبحاث السرطان لمؤسسة جامعة أورغون للصحة والعلوم.

رغم هذا يمكن القول إنه حتى لو توفرت هناك مبالغ ضخمة لتأمين بعض متطلبات الحياة الضرورية العامة، فمن الصعوبة بمكان إيجاد حلول كافية لرفاهية الشعوب الفقيرة والمغلوب على أمرها، وتحسين مستويات الحياة المعيشية لملايين البشر حول العالم.

Loading