إلى أين سيقود صراع الانتخابات في الجزائر

تشكلت «حركة كفى» في الجزائر مؤخراً، من عدة فعاليات ونخب سياسية واجتماعية وحقوقية وتيارات فكرية متنوعة، وتسعى بقوة للتخلص الفعلي من مركزية الحزب الواحد في الجزائر، من خلال الدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في 17 أبريل/ نيسان 2014، والتشديد على رفض إعادة انتخاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رابعة، والمطالبة بقيام جمهورية ثانية تشارك فيها جميع القوى الوطنية الحية الفعالة في البلاد.

الحركة ماضية في نضالاتها السلمية من أجل تغيير قواعد اللعبة السياسية التقليدية في الجزائر، والعمل على إرساء نظام ديمقراطي تعددي يكفل الضمانات الدستورية والحريات. هذه الحركة التي اعتبرت نفسها قوة مستقلة وتمثل «الطريق الثالث» خارج التوازنات والأطر السياسية التقليدية في الجزائر، أعلنت في بياناتها التي صدرت مؤخراً، أنها حركة طليعية نخبوية، تناضل من أجل التغيير الحقيقي والواقعي في البلاد، وتسعى لإقامة دولة مدنية عصرية، على غرار الدول المتقدمة في العالم، في وقت لايزال فيه حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، الذي يحتكر سلطة الحكم مع الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة، ينتهج سياسات عفا عليها الزمن.

وتعهدت قيادة الحركة بمواصلة نضال التغيير في الجزائر، وقالت إن البلاد أصبحت اليوم في ظل التغيرات والتحولات الديمقراطية الجديدة التي شملت العالم برمته، حاجة ملحة وضرورية لانتهاج سياسات مختلفة تكون مبنية على تغييرات شاملة وجوهرية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، التي ظلت رهينةً بشكل متكرر في أيادي رموز ومناضلي حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، الذين تعاقبوا على حكم البلاد منذ استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي في العام 1962 وحتى اللحظة الراهنة.

وعلى الرغم من أن الجزائر لم تشهد ثورةً حقيقيةً على غرار ما حصل في ما يطلق عليه بـ «بلدان الربيع العربي» التي أطاحت ببعض أعتى الأنظمة الاستبدادية القمعية وزعمائها في بعض الدول العربية، إلا أن شعب الجزائر، الذي ظل يتطلع للتغيير الحقيقي والجوهري، لم ينس أن حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، استطاع أن يفرض «قبضة طاغية» على كل مفاصل الدولة والمجتمع، واستحوذ على كل مقدرات البلاد، وخاض أبرز قادته السياسيين والعسكريين حروباً ساخنة من أجل الحصول على مكاسب شخصية وصراعات محتدمة على زعامة الحزب، وكذلك مؤسسات السلطة الرسمية. وهذا ما يبرر تراكم الاستياء الشعبي العام في البلاد، والمطالبة الشعبية بالتغيير الحقيقي والجوهري.

ومنذ انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في نيسان/ أبريل 1999 ومن ثم إعادة انتخابه لولايتين متتاليتين في الأعوام 2004 و2009، تحوّل الصراع بين أقطاب حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي ظلت متمسكة بتلابيب الحكم ومحتفظة بتقاليد وموروث الثورة الجزائرية وبعض رموزها وقادتها وما تبقى من قواعدها المخلصة، إلى مواجهات إعلامية ساخنة، وتطورت بتبادل الاتهامات والاتهامات المضادة في عمليات التقصير في أداء المهمات الوطنية الكبرى، حتى بلغت مستوى تخوين البعض وتفريطهم بكل أهداف الثورة ومبادئها وتاريخها.

في مثل هذا الوضع، استطاعت «حركة كفى» الناشئة أن تستقطب العديد من الجماهير الواسعة وتكسر حاجز الخوف الذي سيطر على فكر المجتمع برمته على مدى عدة عقود مضت، وأنه من العبث أن يتحدّث الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي يعاني من المرض والشيخوخة، وحدثت في عهده الكثير من الاحتجاجات والاضطرابات السياسية والأمنية، نتيجة سيطرة فئة واحدة على السلطة وتزايد فضائح الفساد والرشوة في العديد من مؤسسات الدولة الرسمية، عن ضرورة ترشحه لولاية رابعة، حيث أنه لا يستطيع أن يمتلك أية أمور جديدة لكي يسهم بها في تغيير الواقع الجزائري. ويكون من الأفضل له شخصياً ولتاريخه السياسي، أن يترك للشعب الجزائري تأثيراً أكبر في التطلعات التي يرى بأنها ستكون الأحسن والأفضل لمستقبل الجزائر وشعبها.

ويقول بعض المراقبين، بأن «حركة كفى» المتحرّرة من القيود الحزبية التقليدية، والتي تسعى لمواكبة الجزائر لإحداث التغييرات الديمقراطية في العالم برمته، يمكن أن تمثل خطوة جوهرية نحو تغيير الوجوه التقليدية والواقع المأزوم في الجزائر، وطرح بعض الحلول الكفيلة بالتغيير الواقعي على فكرة احتكار السلطة والتفرد بالحكم.

ويبقى الآن أن نعرف ما إذا كان الرئيس بوتفليقة وجبهة التحرير الوطني الجزائرية التي تتمتع بنفوذٍ واسعٍ في السلطة، سيضمن الفوز بولاية رابعة كما يأمل في الانتخابات الرئاسية القادمة، أم سيتسبب بضعفه وخسارته كما تأمل «حركة كفى» ومختلف أحزاب وقوى المعارضة الجزائرية الأخرى. ولا شك أن الكثير في هذا الشأن سوف يتوقف على خيارات الشعب الجزائري، الذي يراوده حلم الدولة المدنية العصرية.

ولا يستبعد المراقبون، أن تشهد الجزائر، في ظل حمى الانتخابات القادمة، حراكاً سياسياً مقلقاً وخطيراً في الأيام التي تسبق الانتخابات، يمكن أن يؤدي بدوره إلى حدوث ثورة شعبية واسعة، تسبقها انتفاضة عارمة تهز البلاد، والتي لابد أن تكون مقرونةً بتحديات كبيرة وعمليات أمنية صارمة وخطيرة على طريق التغيير الحقيقي والجوهري.

Loading