هجمة العنصرية المخيفة
احتفلت الامم المتحدة والعالم بالذكرى السنوية لاقرار الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري هذا العام 2014 ولكن الفرحة اختلطت بالألم والأمل حيث الطريق لتحقيق الاهداف المأمولة للمنظمة الدولية في معركة القضاء على أشكال التمييز العنصري لاتزال طويلة. وتعترضها عقبات وعراقيل صعبة مع وجود أشخاص وجماعات ومجتمعات متعددة تعاني من مختلف قضايا التمييز العنصري بسبب اتساع هذه الظاهرة في العديد من البلدان النامية والمتقدمة، التي يتعسر عليها مكافحتها رغم القوانين والاجراءات المشددة التي تحظر ممارسة أشكال التمييز العنصري.
ويتزامن الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على العنصرية مع تجديد دعوات ومناشدات الامم المتحدة إلى المجتمع الدولي بتوسيع التدابير والاجراءات المتعلقة بقضايا التمييز العنصري والاسترشاد بأهداف الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة أشكال التمييز العنصري وبذل الجهود الحية كافة من أجل القضاء الحقيقي على هذه الظاهرة السيئة والمخيفة.
في هذه المناسبة يمكن العودة إلى الوراء وبالتحديد في العام 1960 عندما أطلقت قوات الامن في جمهورية جنوب إفريقيا الرصاص الحي على أشخاص أبرياء كانوا يشاركون في مظاهرة احتجاجية سلمية في منطقة (شاربفيل) إحدى معازل المواطنين السود، ضد قوانين المرور المجحفة التي فرضها نظام الفصل العنصري في البلاد، وقتلت أكثر من 69 شخصا بدم بارد. وحينها اهتزت لهول هذا الحدث مشاعر الحزن والالم والغضب في أعماق الناس حول العالم، وأعلنت الجمعية العامة للامم المتحدة لهذه المناسبة المفجعة يوما عالميا يخلد فيه ذكرى الضحايا وتنطلق خلاله الدعوات والمناشدات إلى المجتمع الدولي من أجل مضاعفة الجهود والامكانات لمكافحة أشكال التمييز العنصري.
وعلى رغم تجاوب المجتمع الدولي مع الكثير من الدعوات التي أطلقتها منظمة الامم المتحدة على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن بهذا الخصوص، ولوحظ هناك بعض التقدم في مواجهة هذه الظاهرة في العديد من مناطق العالم نتيجة الخطط والاستراتيجيات الخاصة بمنع التمييز، إلا أن هذا لا يعني القول ان القضاء على التمييز قد تحقق بشكل جدي، حيث لايزال هناك أشخاص وجماعات ومجتمعات متعددة تعاني من وطأة التمييز العنصري لاسباب سياسية وعرقية واحتلالات عسكرية واستيطانية ظالمة ومخيفة.
ولا يقتصر الامر في ممارسة أشكال التمييز العنصري على دولة دون أخرى في مختلف أنحاء العالم، فهناك العديد من الدول النامية والمتقدمة لاتزال تمارس في ظلها أشكال التمييز العنصري والتعصب القومي والشوفينية والنازية. ففي دولة الكيان الصهيوني التي تصف نفسها بـ (دولة الحريات الديمقراطية) في الشرق الاوسط والعالم، لاتزال ثقافة العنف والتمييز العنصري قائمة ضد المواطنين الفلسطينيين داخل (إسرائيل) وفي مختلف المناطق الفلسطينية والعربية المحتلة، وتزداد تقدما وتطورا في ظل استمرار التعصب العرقي والديني من جانب القوى العنصرية والمتدينة في عموم الدولة الصهيونية. ومن المحتمل أن تزيد في المراحل القادمة مع تزايد حدة الصراع بين المستوطنين الاسرائيليين والمواطنين الفلسطينيين، ولم يحرك المجتمع الدولي ساكنا تجاه الاعمال العنصرية الاسرائيلية سوى إصدار بيانات التنديد والانتقادات.
أما على مستوى الدول المتقدمة، والتي كانت دائما تتشدق بشعارات حماية الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان، فمازالت تتعامل مع الشعوب الاخرى بنظرة الاحتقار والاستكبار والتفوق، وتمارس فرض القيود والقوانين والاجراءات المشددة والصارمة على المهاجرين الاجانب تحت ضغوط قوى العنصرية والنازية الجديدة، التي بعثت من جديد في تلك البلدان وشارك بعضها في عمليات صنع القرار السياسي والاجتماعي من خلال (انتصاراتها) في الانتخابات البلدية والتشريعية، كما هو الحال اليوم في فرنسا وإيطاليا ومؤخرا في أوكرانيا.
وترى الامم المتحدة أن مشكلة التمييز العنصري والتعصب مرتبطة بالأصل بقوى لا تريد التحرر من أفكار وثقافات سالبة تجاوزها الزمن، وحلت محلها مفاهيم السلم والوئام والاخوة والمصير، وتقول انها لا تستطيع أن تلعب دورا أساسيا لمكافحة هذه الظاهرة ما لم يتعزز هذا الدور بقوة من خلال تعاون المجتمع الدولي للتصدي لهذه المشكلة المزمنة، والتي أصبحت تتزايد يوما بعد يوم، في ظل الشعارات العنصرية والنازية الجديدة، التي تحاول بكل الوسائل الممكنة أن تعيد (أمجاد) القوى العنصرية والشوفينية القديمة، التي كانت تطلعاتها على امتداد عقود من الزمن. تنطلق دائما نحو أهداف السيطرة الكاملة على العالم برمته.