جلسة ساخنة مع نواب يشتمون الشعب

التقيتُ عدداً من أعضاء مجلس النواب البحريني في قاعة فندق (راديسون ساس) في العاصمة الدنماركية (كوبنهاغن)، ضمن وفد بحريني كان في زيارة عمل في الدنمارك (لم تعلن عنها وسائل الإعلام الدنماركية) خلال الفترة ما بين 15 و18 آذار/ مارس 2014. وجرى بيننا حديث ودّي وهادئ حول تطورات الأوضاع في البحرين، ولم يكن هناك أي حظر على أي موضوع خلال الحديث الذي استغرق مع أعضاء الوفد أكثر من ساعة. ولكن شيئاً فشيئاً تطور الحديث وتشعبت جوانبه إلى مناقشة موضوعات وطنية حساسة ودقيقة، وكنت وقتها قد وجدت نفسي وحيداً في مواجهة حامية الوطيس مع أشخاص أصروا على أن يظهروا لي اعتزازهم وافتخارهم الشديد بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تزدهر بها (واحة الديمقراطية) بعد انتقال البلاد من دولة مراقبة أمنية إلى مملكة دستورية على غرار الممالك المتقدمة في العالم في العام 2002 وعلى أساس نظرتهم المتفائلة جداً للمستقبل المشرق للبحرين في مختلف مجالات الحياة العامة. ظلوا يسردون لي القصص المطولة حول التغيرات والتحولات السريعة، التي أخذت تشق طريقها في البحرين، في ظل الرعاية الكاملة من قبل القيادة الرشيدة وكانت رسالتهم واضحة. ولكن كان القلق والخوف من ممارسات قوى المعارضة البحرينية في الداخل والخارج أكثر وضوحاً، وكانت اللهجة قاسية دائماً تجاه من كانوا يعتبرونهم (المتشددين والخارجين على القانون العام) الذين ينشرون الفوضى في الداخل ويشوّهون صورة البحرين في المحافل السياسية والحقوقية في الخارج.

وكانت المفاجأة لي شخصياً وربما أيضاً إلى بعض الحاضرين من الوفد، هو ذلك التصرف الذي بدر من أحد النواب، الذي يفترض أنه يمثل شعب البحرين برمته داخل قبة البرلمان وفي خارجه، أن يندفع بكل شراسة في مهاجمة طائفة معينة من طوائف المجتمع البحريني، ويشكك بتاريخها وأصولها وولائها الوطني، ويتطاول على بعض رموزها التاريخية السياسية والدينية.

وعلى الرغم من أنني حاولت تجنب الجدل مع الأشخاص الذين لا أعرف شيئاً عن خلفياتهم السياسية والفكرية، إلا أنني لاحظت كثرة الاتهامات والانتقادات المبطنة والمعلنة والمغالطات الفاحشة، التي ساقها نائب برلماني يفترض فيه أنه يمثل جميع الفئات والشرائح والطوائف البحرينية. ساقها ضد هذه الطائفة ورموزها وكافة عناصرها الاجتماعية التشكيلية، متهماً إياهم بأنهم غارقون من قمة الهرم حتى أصغر فرد في هذه الطائفة بالعمالة لقوى ودول أجنبية، وداخلون في معارك مستمرة مع سلطات البلاد الشرعية، عبر ممارسة العصيان المدني وشل الحركة على الطرق بواسطة الأساليب الاحتجاجية والتظاهرات المطلبية العنيفة، وبخاصة تلك التي حدثت في السنوات الأخيرة. وهذه الاتهامات تُذكّر بكل ما قامت به مختلف وسائل الإعلام المحلية بتلفيق الاتهامات الواهية ضد أبناء هذه الطائفة في سنوات حقبة التسعينات من القرن الماضي عندما رفعت الحركة الدستورية البحرينية بكل أطيافها شعار الإصلاح والتغيير الحقيقي والجوهري في البلاد، ودفعت خلالها ثمناً باهظاً للحرية. وهو الأمر الذي جعلني، أتحدث إليه عن صعوبات الحياة المعيشية اليومية والتمييز الذي تتعرض له الطائفة التي كانت موضع خوفه وقلقه وشكوكه، وهي بالتأكيد لها وزنها الاجتماعي وتمثل ركيزة مهمة وأساسية من أركان المجتمع البحريني، ولا يجوز في كل الأحوال التجني عليها.

وأرجعت ما يجري في البلاد إلى تباطؤ خطوات الإصلاح، والمعركة ضد حريات الرأي والتعبير والضمير المتعارف عليها في ظل الأنظمة البرلمانية الدستورية، والتي كانت واحدة من الأسباب المباشرة التي مثلت الأخطار الدائمة على مستوى البلاد. وكنت دائماً أتوجه له في أقوالي، أن بالإمكان حل الأزمات والمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية مهما تعقدت في البلاد، بعقلانية وروح أخوية وحلول توافقية بين الجميع بعيداً عن عمليات التشهير وتحقير الآخر وتلفيق الاتهامات ضده، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتجاوز الأزمات في البلاد. حيث أن المشكلة الكبرى التي ظلت تعاني منها البحرين على امتداد عدة عقود مضت، هي ليست من صنع طائفة أو تيار سياسي بعينه، بل هي نتيجة واضحة لأزمة الثقة بين السلطة السياسية والمجتمع، والخوف والقلق من توجهات وفكر الآخر، ولكن للأسف الشديد كان يبدو من الصعب جداً أن أستطيع إقناع شخص كان متحاملاً جداً على سلوك حياة طائفة يصر على اعتبارها (مارقة ومسيئة) ومتسببة في كل ما يحدث من أزمات في البحرين.

هكذا بكثير من البساطة يجري تعاطي شخص يفترض أن يمثل الشعب وينوب عنه في المؤسسة التشريعية، مع شأن داخلي يتسم بالكثير من الحساسية الوطنية وصراع مرير يختلف في حقيقته وأبعاده عن أي صراع آخر في المنطقة.

هنا تلتبس مسائل الحق بالباطل في حديث النائب الذي تجرأ حيث لا يجرؤ الآخرون بأقواله الموسومة بالطعن في تاريخ وأصول طائفة معينة من طوائف البحرين المخلصة، والتجني عليها وتلفيق الاتهامات ضدها بممارسة (العنف والتخريب وتشويه صورة البحرين في الداخل والخارج) فيما الوضع السياسي والأمني المتدهور منذ العقود الماضية وحتى الآن مازال سيد الموقف والغالب على كل الأصعدة في الحياة العامة. ولا أريد أن أذكّر هذا النائب المتحامل بحجم المعاناة القاسية والمؤلمة التي تعرضت لها الطائفة التي ظل يطعن في خاصرتها على مر التاريخ، فهو لابد أن يعرف الأمر جيداً، ولا داعي في هذا الوقت الدقيق والحساس إنكاء الجروح العميقة ونبش الأحقاد. ولكن ما يجب أن يعرفه هو أن غالبية أبناء الطائفة الشيعية في البحرين، قد ضاقت بهم سبل العيش ومختلف صنوف التمييز والتهميش ومواجع الفقر والجوع في بلد خليجي نفطي، ويفترض أنه تحول في السنوات الأخيرة من بلد ملتزم بالمراقبة الأمنية الصارمة إلى بلد (ديمقراطي دستوري) على غرار البلدان المتقدمة والمتطورة في العالم. وعلى الرغم من ذلك ظلوا ينظرون إلى أبناء الطوائف الأخرى في المجتمع البحريني بروح أخوية ومصير مشترك.

Loading