غابرييل ماركيز… لم يرحل الأديب والثائر
شاء القدر أن يغيب عن العالم في 7 أبريل/ نيسان 2014، الصحافي والأديب والثائر الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز، الذي أمضى كل حياته مناضلاً وثائراً ومدافعاً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وقضايا الشعوب الفقيرة والمسحوقة في أميركا اللاتينية وحول العالم، والذي حاز جائزة نوبل في العام 1982 بعد صدور أشهر نتاجاته الأدبية «مائة عام من العزلة» التي نشرت في العام 1967، وبيع منها أكثر من 30 مليون نسخة في مختلف أنحاء العالم.
رحل في أشد الأزمنة التاريخية قهريةً وصعوبةً، حيث يشهد العالم برمته اليوم مآسي كثيرةً وحروباً شريرة، ونوازع فوضى وإرهاب وتفسخ الايديولوجيات والقوميات، والتوجس خوفاً على المصائر المحتومة للشعوب الفقيرة والمسحوقة.
حياة الأديب والثائر ماركيز لم تكن حياة عادية بسيطة ومرفهة، على الرغم من كونه عاش في أحضان إحدى عائلات الطبقات الوسطى في كولومبيا، وكان متزوجاً من امرأة من أصول (مصرية ـ لبنانية)، وعاش معها على مدى أكثر من 50 عاماً. بل أنها كانت حياة صعبة وقاسية، خاض خلالها غمار المعارك الأدبية والنضالية الثورية إلى جانب الفقراء والمسحوقين والثائرين المطالبين بأبسط حقوق المواطنة المشروعة في البلدان التي طغى عليها حكم الأنظمة الاستبدادية القمعية، وانتشرت فيها فضائح الفساد والإفساد، والصراع على الامتيازات وقهر الإرادة الشعبية، وغير ذلك من مختلف موبقات الحكام الفاسدين، رغم تسترهم بشعارات العدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ومن الصعب جداً، في زمن القهر والبؤس والتفسخ، أن نجد قادة ومناضلين وحتى شخوصاً بقامة ماركيز، لأنه كان يشكّل نسيجاً مختلفاً عن الآخر، كل خيط فيه يمثل حدثاً خارقاً في تفاصيل الحياة اليومية المتصلة بالحقائق الإنسانية والأدبية والسياسية والنضالية والثورية.
بدأ غابرييل ماركيز الملقب لدى أصدقائه بـ «غابو» حياته العملية مراسلاً صحافياً، ثم كاتباً للقصص والروايات، بعد أن أمضى سنوات كثيرة يشق طريقه في النضال من أجل قضايا شعبه والشعوب المضطهدة والمسحوقة، إلى أن أصبح أشهر روائي في أميركا اللاتينية وحول العالم، بعدما انتشرت أعماله الروائية الأسطورية الذي يقول أنه استلهم أحداثها من ذكريات الطفولة التي كانت تروي قصصها جدته، والتي كان يغلب عليها طابع التراث الشعبي وبعض الخرافات، إلى ملايين الفقراء، الذين ظلوا يكابدون من أجل الحياة السعيدة والكرامة الإنسانية والنضال العنيد حيال أعداء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
عاش ماركيز في المكسيك أكثر من 30 عاماً بعد هروبه من كولومبيا في العام 1981 خوفاً من البطش، حيث ظلت تلاحقه الأجهزة الأمنية الكولومبية بسبب شكوكها في ارتباطه بالقوى اليسارية الثورية.
كان ماركيز، يملك من الموهبة الأدبية والنضال من أجل حقوق الإنسان وقضايا الشعوب الفقيرة، فكان إلى جانب نضالاته في أميركا اللاتينية، مسانداً عنيداً لقضايا الشعوب العربية وخصوصاً الشعب الفلسطيني الذي لايزال يعاني من وطأة احتلال أراضيه والظلم المستمر من سياسات الدولة العبرية. وكان صديقاً مخلصاً للزعيم الكوبي فيديل كاسترو، الذي كان يقدّم له الدعوة سنوياً لزيارة كوبا من أجل اللقاء به، رغم جدل الأوساط الأدبية والسياسية في أميركا اللاتينية حول هذه العلاقة الحميمة.
وعلى رغم كل ما كتب عن غابرييل ماركيز، لايزال هناك الكثير من التجارب والدروس المهمة في حياة «ساحر الفقراء والمعذبين»، تجارب غائبة أو مغيبة عن عيون ومدارك بعض الأجيال، يستحق ذكرها في قضايا تفصيلية ودقيقة ولها خصوصيتها المميزة والمثيرة، التي سطرت نوازعه المرتكزة على رفض القوة والعنف والانفتاح، وخدمة القضايا الأدبية والإنسانية والثورية .
ومن قدم مثل هذه التضحيات الكبيرة في خدمة البشرية، لابد أن يحفظ له التاريخ دوره، ويخلد اسمه في سجلات أبرز العظماء.