اضطهاد النساء في أوروبا

على رغم الإجراءات والقوانين الصارمة كافة التي ظلت تفرضها غالبية الدول في الاتحاد الأوروبي على ممارسة العنف ضد المرأة، وعلى رغم القلق الذي عبرت عنه وكالة الحقوق الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة، من انتهاك بعض دول الاتحاد للقوانين والآليات الدولية بشأن القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، والخوف الشديد الذي أبدته المنظمات الحقوقية الأوروبية، من أن تفقد البلدان الأوروبية المتقدمة مع مرور الوقت حساسيتها المفرطة تجاه المساواة بين الجنسين، إلا أنه يبدو أن معالجة العناصر السلبية كافة والتصدي لأوضاع القهر والعنف الجسدي والنفسي ضد النساء في أوروبا الموحدة، لاتزال تواجه تحديات وعوائق كثيرة، حيث تتحدث الأرقام عن اتساع معدلات العنف المرتكبة ضد النساء ومظاهر الإفلات من العقاب، وخصوصاً في الديمقراطيات المتقدمة مثل الدنمارك والسويد وفنلندا، إذ يتعامل الرجل مع المرأة في تلك البلدان، بقساوة ملحوظة وبوحشية مفرطة في شتى المواقع الجسدية والعاطفية والنفسية والمنزلية.

تحدثت الدراسة التي أصدرتها أخيراً وكالة الحقوق الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي، وجمعت آراء قرابة 142 امرأة من مختلف دول الاتحاد الأوروبي، عن وجود عناصر سلبية تواجه حماية الحقوق الأساسية للنساء في أوروبا. هنا يتعرض ثلث النساء في دول الاتحاد الأوروبي للمطاردة والملاحقة ومختلف أشكال العنف الجسدي والنفسي في المنزل والشارع والعمل، رغم وجود القوانين الصارمة والآليات والتدابير الوقائية لمعالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء أعمال العنف المرتكبة ضد المرأة ومظاهر الإفلات من العقاب.

وتشير الدراسة إلى أن واحدة على الأقل من كل ثلاث نساء في دول الاتحاد الأوروبي تواجه مثل هذه الاعتداءات، التي تتسبب في تعرضهن لعوائق جسدية وآلام مزمنة واضطرابات نفسية خطيرة.

ووصف مدير وكالة الحقوق الأساسية التي تضم 47 دولة أوروبية مدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، مارتن كيروم، الأوضاع بأنها «تبعث على القلق» في جميع دول الاتحاد الأوروبي، حيث لاتزال حياة النساء معرضة لأنواع القهر، سواءً في الشارع أو العمل أو المنزل، بحيث أن قرابة 13 مليون امرأة في هذه الدول تعرضن لسوء المعاملة الجسدية والعاطفية والنفسية، وأن أكثر من 3.7 ملايين امرأة تعرضن لعمليات اغتصاب أو تحرش جنسي.

تأتي الدنمارك وفنلندا والسويد في مقدمة الدول الأوروبية، التي تتعرض فيها النساء بصورة منهجية لمختلف أشكال العنف منذ بلوغهن سن الخامسة عشرة، حيث بلغت نسبة النساء اللاتي تعرضن للعنف في الدول الثلاث على التوالي (52 في المئة في الدنمارك، 47 في المئة في فنلندا، 46 في المئة في السويد). وجاءت كل من كرواتيا وبولندا والنمسا في المرتبة الأقل بنسبة 20 في المئة. أما في دول جنوب القارة الأوروبية (إيطاليا وإسبانيا واليونان) فقد بلغت فيها معدلات العنف قرابة 33 في المئة، ما يدل على حجم المعاناة القاسية، التي تواجه النساء في مجتمعات تعتبر الأكثر عصرية ويفترض أنها تخوض معارك الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان، سواء على المستوى الوطني، أو المستويات القارية والدولية.

وكالة الحقوق الأساسية حثّت دول الاتحاد الأوروبي على الالتزام بتنفيذ نصوص الإعلان العالمي الصادر في العام 1993 بشأن القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء، والقيام بحملات واسعة النطاق من أجل زيادة الوعي بشأن الكثير من قضايا المرأة، والتي لاتزال تداعياتها وتأثيراتها مستمرة في منحى تصاعدي في غالبية دول الاتحاد الأوروبي.

Loading