البرازيل وكأس العالم… وسحق الطبقات الفقيرة
ليس هناك أي شيء يشغل البرازيل وشعبها ومختلف أجهزتها السياسية والأمنية هذه الأيام، أكثر من انشغالهم باستضافة الحدث الرياضي الكروي الأبرز في العالم، فالبلاد بدأت تستعد لاستقبال ضيوفها الوافدين من مختلف بقاع الدنيا، بمواسم بطولة ومهرجانات تألق تحييها منتخبات الدول المشاركة في كأس العالم 2014 وبجانبها فرق الجماهير الواسعة، التي بدأت تحتشد في جميع المدن والمناطق التي ستقام فيها مباريات البطولة.
وفي الوقت نفسه الذي تحيي فيه البلاد، أعراس اللعبة الأكثر شعبية في العالم، بمهرجانات السامبا الراقصة الشهيرة وذات الطابع الكرنفالي، فرضت سلطاتها الأمنية «قبضة طاغية» على جميع الأحياء الشعبية والمناطق المهمشة، التي تحتمي في ظلالها الطبقات الفقيرة والمسحوقة في البرازيل، التي وعدتها حكومة اليسار التقدمية الشعبية، بعد صعودها على أكتاف الفقراء والمهمشين إلى سدة الحكم، بتحويلها من طبقات بائسة وفقيرة، إلى طبقات متوسطة تعيش حياة سعيدة وكريمة، ضمن ما يعرف بمشروع صرف «المنح العائلية» التي شرعته السلطة واستفاد منه قرابة 13 مليون عائلة فقيرة خلال السنوات الأخيرة، وذلك من أجل فرض الهيبة الأمنية المحكمة والقدرة الإدارية الخارقة لإنجاح تنظيم المسابقة الكروية العالمية، التي حظيت بشرف استضافتها في العام 2014 واعتبرتها إنجازاً هائلاً من إنجازاتها الوطنية.
في هذا الوقت سخرت السلطة البرازيلية كل أجهزتها العسكرية والأمنية لمواجهة التظاهرات الاحتجاجية الحاشدة، التي انطلقت من أحزمة الفقر المهمشة المجاورة للملاعب، التي ستقام عليها المباريات، وعددها قرابة 17 منطقة شعبية فقيرة، التي اعترضت على تنظيم مسابقة كأس العالم بسبب الحالة الاقتصادية الصعبة وهدر الأموال الطائلة على بناء الملاعب الرياضية النموذجية العملاقة، التي فرض مقاييسها الاتحاد الدولي لكرة القدم، وتعاملت مع سكانها البالغ عددهم نحو 130 ألف نسمة بأقصى درجات القوة المفرطة، في خطوة انتهكت فيها القانون وحقوق الإنسان.
وقبل ذلك، وبسبب أعمال البناء لملاعب كرة القدم التي ستقام عليها مباريات البطولة العالمية، وضعت السلطة البرازيلية يدها على نسبة شاسعة من أراضي الأحياء الفقيرة والمهمشة، وطردت العديد من السكان، الذين عاشوا في كنفها عقود طويلة، حيث اختفت في حملة التهجير الجماعية الصارمة، قرابة 490 عائلة من أحياء «كاماراجيت» وحدها وحل محلهم موظفون وعمال بناء الملاعب، وذلك بعد أن وعدتهم السلطات بالحصول على تعويضات مالية مجدية تؤمن لهم العيش في مناطق أخرى، والتي لم يعوض منها سوى القليل بسبب الإهمال وأساليب البيروقراطية المملة والفساد الإداري، الأمر الذي أجج الاعتراضات والانتقادات المحلية الوطنية والحقوقية الدولية، تجاه السلوك السلبي، الذي انتهكت به السلطة البرازيلية نصوص القانون وحقوق الإنسان، فكتب أسطورة كرة القدم البرازيلية بيليه، على حسابه في موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، أنه يأسف لما حدث وأنه يقف دائماً إلى جانب الفقراء في حراكهم الاجتماعي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية في البرازيل.
وصرح نجم كرة القدم البرازيلية السابق وأبرز المهاجمين الهدافين في تاريخ كرة القدم العالمية روماريو دي سوزا فاريا، عبر أحد برامج القنوات الفضائية البرازيلية، حول الأنشطة المحمومة ضد فقراء البلاد، بأن ما يحدث هو عبارة عن «خزي وعار» تتحمل مسئوليته السلطة البرازيلية وكذلك الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، الذي اتهم رئيسه السويسري جوزيف بلاتر، بسرقة أموال فقراء البرازيل، بسبب إصراره على فرض أسعار باهظة على تذاكر المباريات، التي لابد ـ بحسب ـ روماريو، أن تثقل كاهل الفقراء والمهمشين، الذين يفضلون مشاهدة هذه المباريات مباشرة في الملاعب، فيما قام أحد الفنانين البرازيليين في الفترة الأخيرة، برسم صورة كرافيكية عملاقة زين بها جدران أحد البيوت (لطفل عارٍ) يعاني من الجوع، ومذيلة بعنوان «أنا لا أحتاج كرة قدم… بقدر حاجتي إلى الطعام» وأما المنظمات الحقوقية البرازيلية والدولية، فقد صدمها هول المأساة الإنسانية، التي تعرض لها فقراء البرازيل بسبب مسابقة كاس العالم.