قبل أن يحرقوا الديار

بعد عودة مجموعة كبيرة من المقاتلين الاسلاميين «الجهاديين» الذين ذهبوا إلى سورية من الدنمارك (90 شخص عاد منهم 80 شخصاً) في مهمات جهادية، خلال ذروة الصراع الذي شهدته الساحة السورية، بين الحكومة المركزية والمنظمات الاسلامية المقاتلة، شدّدت السلطات الدنماركية على ضرورة أن تكون هناك ضوابط وإجراءات واسعة، من أجل احتواء العناصر العائدة من ميادين الحرب في سورية، التي ظللتها الأفكار الفاسدة والمدمرة والثقافة التكفيرية، التي زينت لها طريق «الجهاد المقدس» وبررت لها ممارسة أساليب العنف العقائدي وقتل الكفار.

وطرحت في الفترة الأخيرة برامج تثقيفية وتأهيلية شاملة تهدف جميعها لمحاربة الجنوح والارهاب وقضايا التطرف، إذ لا يجوز، حسب المسئولين الدنماركيين، أن تبقى البلاد التي ظلت تعيش ردحاً من الزمن في مأمن حقيقي من مخاطر العنف والارهاب والتطرف، وبقيت تحلم بأن يسود ربوعها الامن والاستقرار التي عهدته… من غير المقبول أن يدرج اسم هذا البلد في سجل المنظمات الدولية كملاذ آمن للجماعات الارهابية والتكفيرية، وهو الذي ظل يفتخر بنظامه الدستوري المتقدم، الذي سبق به دول العالم، ثاني بلد في أوروبا بعد المملكة البلجيكية.

وتشير تقديرات المنظمات الدولية، إلى أن أعداد «الجهاديين» القادمين من أوروبا إلى سورية منذ بدء الصراع هناك تراوحت ما بين 2500 و5600 شخص، غالبيتهم من بلجيكا وهولندا وبريطانيا والمانيا وفرنسا.

عاشت الدنمارك على امتداد السنوات الأخيرة من القرن الماضي وبدايات القرن الجديد، على إيقاع سلسلة متواصلة من تهديدات الجماعات الاسلامية المتطرفة سواء في الداخل أو على المستوى الخارجي، بحيث تسبب بعضها في حدوث مواجهات عنيفة بين عناصر هذه الجماعات وقوات الأمن والشرطة الدنماركية، ولاسيما خلال الفترة، التي برزت فيها أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد (ص) في العام 2005 والهجمات المتكررة والمباغتة، التي تعرض لها صاحب هذه الرسوم الفنان الدنماركي كورت فسترغارد، وكان آخرها محاولة الاغتيال التي تعرض لها قبل ثلاث سنوات على يد رجل تكفيري، قيل أنه تربطه صلات وثيقة بتنظيم القاعدة، والتي أجبرت السلطات الأمنية الدنماركية حينها، على توفير الحماية الأمنية المشددة له ولعائلته، من هجمات العناصر الارهابية. وهذا ما يفسر اهتمام الدولة الدنماركية بالتصدي لهذا الخطر، وحجم الأموال الضخمة التي رصدتها للبرامج التأهيلية المكثفة كضريبة ينبغي دفعها لضمان حماية المجتمع وإنقاذ البلاد من خطر اشتعال البارود، الذي لا يُعرف كيف ومتى ينفجر.

اليوم وبعد أن عانت الدنمارك ما عانته من ممارسات العناصر المتطرفة والتكفيرية، تفرض نفسها كدولة ديمقراطية عصرية، تحترم كافة الثقافات والأديان وتكفل حق المواطنة المشروعة، وتحاول أن تبعد عن نفسها وشعبها مخاطر شبح جحيم التطرف، فالكثير من المحللين يعتقدون بأن الخبرات القتالية، التي اكتسبتها هذه العناصر من خلال خوضها للمعارك المفتوحة في سورية والأفكار السوداء المشبعة بالشحن المعنوي ضد «الكفرة والملحدين»، يمكن أن تستفيد منها لتنفيد أعمال خطيرة تضر البلاد، ولذلك بدأت السلطات المعنية بوسائل الترشيد والتثقيف، تتيح الفرص الكاملة للعناصر، التي ضلّلتها الأفكار الفاسدة والمتطرفة، لتصحيح مساراتها المعوجة، من خلال تبني برامج إصلاح وتأهيل، ترتكز على نشر التوعية الشاملة، التي تعكس المشاعر الانسانية حول الاهتمام بقضايا السلم واحترام الرأي والرأي الآخر، وسائر المعتقدات والأديان، وتشجيع الجمعيات والمؤسسات المدنية والرسمية، على عمل الندوات وإطلاق حملات وطنية للتوعية ضد التطرف والتعصب الديني ومختلف التوجهات الخاطئة والسلبية، التي لم تعد تصلح لهذا الزمن، واستخدام كافة وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التخلص من دوائر الخطر المحتملة، التي أصبحت مقلقة في البلاد.

Loading