خلل في القوانين يحمي الجلاد وليس الضحية
في الوقت الذي تظهر الأمم المتحدة اعتزازها بيوم 26 يونيو/ حزيران من كل عام بوصفه يوماً عالمياً لدعم ومساندة ضحايا التعذيب حول العالم، وتكريم صمودهم أمام المحن والصعاب، والتأكيد على أن جميع الضحايا سوف يحصلون يوماً ما على تعويضات وحقوق كاملة واعتراف بالعدالة وإعادة تأهيل، فإن هناك العديد من الجلادين ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، الذين يفترض أنهم يحمون القانون في البلدان ذات الأنظمة السياسية الاستبدادية والقمعية، يمتلكون بصورة قانونية وإجرائية حماية خاصة من السلطات الحكومية الرسمية، ويحظون بحفلات ومهرجانات تكريم تمجد «بطولتهم» و«شجاعتهم» في مواجهة «الخارجين على النظام والقانون»، فيما تنعدم هذه الحماية بصورة شاملة ومقصودة عن ضحايا القمع الوحشي والقتل تحت وطأة التعذيب، أو برصاص قوات الأمن خلال التظاهرات الاحتجاجية المطلبية السلمية.
وجميع الجلادين ومرتكبي الجرائم ضد الانسانية، عندما يمنحون «أوسمة الشجاعة والاستبسال»، وعندما يمتلكون الحماية القانونية، يتطور لديهم الإحساس بالمسئولية تجاه السلطات الحكومية الرسمية، التي تفضلت عليهم وقدرت جهودهم و«تضحياتهم»، ومنحتهم أنواط الشجاعة والأوسمة الذهبية والفضية، ويصدّقون أنفسهم على أنهم فعلاً أبطال ومغاوير، ويصرون على أنهم يحمون القانون ويسهرون على خدمة المجتمع، على رغم تصرفاتهم الخاطئة والفاضحة، وممارساتهم القمعية الوحشية وغير القانونية الملزمة بحق الضحايا.
ومنذ 26 يونيو/ تموز 1987، اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة يوماً عالمياً يهدف لمنع التعذيب في جميع أنحاء العالم، ويلزم الدول الأعضاء باتخاذ تدابير فعالة لمنع التعذيب داخل حدودها ويحظر عليها إجبار أي إنسان على العودة إلى وطنه إذا كان هناك سبب للاعتقاد بأنه سوف يتعرض للتعذيب، وحتى يوم 26 يونيو 2014، تتزايد في العديد من بلدان العالم بما فيها بعض البلدان الموقعة على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وملحقاتها، حالات مقلقة ومخيفة فيما يخص قضايا التعذيب، ولاسيما داخل السجون والمعتقلات السرية، التي تزدحم بالكثير من الأشخاص الأبرياء الذين ظلوا يرفعون شعار الدفاع عن الحريات، أو الذين يتم اعتقالهم في حملات هستيرية عشوائية وحشية، يجري التستر عليها بدقة متناهية من قبل الأنظمة السياسية القمعية، تحت مبررات وذرائع وأكاذيب شتى، خوفاً من اكتشاف أمرها وتعرية ممارساتها القمعية والمخجلة أمام الرأي العام الوطني والدولي.
وقد نشرت في الفترة الأخيرة دراسات موثقة من عدة منظمات حقوقية وطنية ودولية، تتحدث جميعها عن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، ومعاناة شديدة للغاية يتعرض لها ضحايا التعذيب في العديد من الدول العربية والأجنبية، حتى تلك الموقعة على الاتفاقات والمعاهدات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة بقضايا مكافحة ومنع التعذيب، لأن سلطات هذه الدول تظل دائماً تتجاهل التزاماتها الدولية، وترفض كافة الدعوات والمناشدات الوطنية والعالمية، التي تطالبها بمنع التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لحقوق الإنسان، نظراً لاعتقاداتها الخاطئة بأنها تمارس المسار الصحيح في سياساتها الإنسانية، ولكنها في الوقت نفسه تكون مستهدفة دائماً وبشكل واسع النطاق من قبل المنظمات الحقوقية الأهلية أو الدولية.
وإذا كانت مختلف جوائز التشجيع والتكريم، التي تظل تمنحها السلطات الحكومية للجلادين ومرتكبي الجرائم بحق الإنسانية، تحفز همم هؤلاء المعقّدين والمصابين بانفصام الشخصية، على ممارسة أفظع الجرائم والموبقات الخطيرة، فإن الدعوات الخاصة والعامة التي تكررها كل عام المنظمة الدولية لتكريم ضحايا التعذيب والتأكيد على حصولهم في يومٍ ما على حقهم في الاعتراف والعدالة وإعادة التأهيل، تبقى مجرد تمنيات وآمال بعيدة المنال على الأقل في الوقت الحاضر، وربما تكون محبطة لدى الضحايا الأكثر تضرراً من إرهاصات القمع الممنهج والعسف العام، عندما لم يجدوا من يدعمهم ويساندهم ويضمد جراحهم الغائرة، ويبعد عن ذاكرتهم مآسي العذاب واليأس المؤلم، ويمنحهم سمة البهجة والفرحة وعودة الأمل في الحياة.