«النفق المعجزة» يقود أوروبا إلى حلم التاريخ

ثلاثون صحافياً يمثلون مختلف وسائل الإعلام الأوروبية والعالمية، قاموا بجولة استطلاعية في 18 يونيو/ حزيران 2014 لمناسبة انطلاق المرحلة الأولى من العمل المرتبط بـ «النفق المعجزة» الذي سوف يربط الدنمارك وألمانيا بدول القارة العجوز، من تحت أعماق مياه بحر البلطيق على مسافة تصل إلى 18 كيلومتراً، والذي سوف يتم تدشينه في العام 2022 وبتكاليف اقتصادية هائلة بلغت قرابة 5.5 مليارات يورو (7.4 مليار دولار) دفعت الدنمارك منها حصة الأسد.

المشروع وُصف بأنه أحد أكبر مشاريع البنى التحتية في تاريخ القارة الأوروبية، والتي كانت شعوب هذه القارة العملاقة تتطلع إليها منذ عدة عقود. ومن بين المدعوين كانت صحيفة «الوسط» التي تلقت دعوة المشاركة في تلك الجولة المكوكية الممتعة، والتي استغرقت قرابة 12 ساعة من الزمن، من شركة «فيرمان أيه/ إس» المشرفة على أعمال بناء هذا المشروع.

القائمون على مشروع النفق النموذجي من الجانبين الدنماركي والألماني، كانوا يسعون في واقع الأمر وعلى رغم المعارضة القوية من منظمات البيئة الأوروبية، التي بذلت محاولات يائسة لمنع إقامة هذا الصرح الكبير والتاريخي، لتحقيق أهداف إجتماعية وإقتصادية كبيرة وغايات إنسانية نبيلة تسعد الشعبين الدنماركي والألماني بصورة خاصة وشعوب أوروبا والعالم بشكل عام. فمشروع النفق العملاق سوف يسهل عمليات الانتقال المباشرة من ألمانيا، الدولة الاقتصادية العملاقة، التي تمكنت في خلال السنوات الأخيرة من قيادة أوروبا برمتها على مستوى الاقتصاد والتطورات التكنولوجية الحديثة، إلى جاراتها دول المنظومة الأسكندنافية الثلاث (الدنمارك والسويد والنرويج) إضافةً إلى فنلندا.

ويوفر المشروع المزيد من الفرص التجارية والاقتصادية المهمة بين شعوب هذه الدول، ويمثل عوامل النجاح واحداث التقدم التكنولوجي الكبير الذي يجب أن تحاول الحكومات العربية وغيرها من الحكومات الاستبدادية الفاسدة، التي مازالت في زمن تطور العلم والاكتشافات التكنولوجية المتقدمة والحديثة، متمسكةً بعادات وتقاليد عفا عليها الزمن، الاستفادة منها بدلاً من تأجيج أشكال الصراع والاحتراب وتحريف العادات والقيم الروحية والإنسانية والأخلاقية الأصيلة ونشر الأحقاد والفتن العقائدية والقومية العصبوية والطائفية وهدر الدماء.

مشاريع الأنفاق والجسور العملاقة وغيرها من المشاريع الاجتماعية العامة والحيوية، التي تظهر على مستوى دول الغرب وكذلك بلدان أخرى متقدمة تكون أهدافها مبنية في الأساس على تقديم مختلف الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية ذات الروابط المشتركة بين شعوب تلك الدول وشعوب العالم، حيث يكون التطور والتقدم جزءًا مهماً للغاية من حياتها العملية اليومية، وحيث تصبح للفرد في الدولة والمجتمع حقوق ومكاسب وطنية واضحة يجب أن ينالها بصوره طبيعية وشاملة من أجل حياة سعيدة وكريمة.

وفي الوقت الذي تتسابق فيه دول الغرب وغيرها من الدول المتطورة والمتقدمة على تشييد المشاريع النموذجية والعملاقة ذات الفوائد الشاملة للدولة والمجتمع، التي تلهم الناس وتحقق الأمن والاستقرار والبناء والتنمية، مازالت هناك العديد من الدول والممالك العربية، وللأسف الشديد، برغم إمكاناتها المالية والاقتصادية الهائلة تعيش خارج العصر، وتعتبر جميع المشاريع الاجتماعية والاقتصادية التي تقوم بتشييدها في بلدانها منحاً أو مكرمات على شعوبها، وليست حقوقاً أصيلة لجميع المواطنين على مستوى الدولة والمجتمع.

هي ترفض دائماً وجود الشراكة بينها وبين القطاعات العامة أو الخاصة ومختلف قوى المجتمع، لأنها في حقيقة الأمر تعتبر نفسها فقط الجهة الوحيدة القادرة على حماية أوضاع الدولة والرعية وتفاعلها مع الآخرين. وأما بالنسبة لتلك الشعوب فإنها تبقى منشغلةً بكل همومها ومشاكلها الحياتية اليومية الصعبة، وصار همها الأول والأخير، هو الدخول في صراعات دموية ومنازلات ومعارك عنيفة وضارية لا تنتهي مع الحكومات أو مع بعضها البعض من أجل فرض سلطات ترى أنها هي الطريقة الصحيحة والمنقذة، في زمنٍ تعتقد بأنه يستحيل فيه التغييرالمنشود من دون اللجوء لاستخدام طريق القوة، والاستهتار والاستخفاف بمشاعر الناس ومحاولات تركيعهم بشتى الوسائل، وذلك بدلاً عن التوجه نحو تكريس وتعزيز واستحداث مشاريع البناء والإعمار والتنمية الشاملة ومجاراة العلم ومحو الأمية ومحاربة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة ديمقراطية واقعية حقيقية تزيل الخوف والشكوك وعدم الثقة بينها وبين الآخرين.

Loading