أوروبا… من جنة أحلام المهاجرين إلى قلعة الموت

تمثل سياسات حماية الحدود الأوروبية، من زحف المهاجرين واللاجئين، الذين تتطلع أبصارهم وأحلامهم دائماً نحو «نعمة العيش في الغرب» المزدهر بالرخاء الاقتصادي والحكم الديمقراطي الدستوري والقيم الإنسانية والأخلاقية والأمن… تمثل التحدي الأصعب لدول الاتحاد الأوروبي، التي أصبحت منذ عدة عقود وحتى اللحظة، عاجزةً عن التوصل إلى سياسة لجوء مشتركة ومجدية لمواجهة المد المتنامي للفارين من جحيم الحروب والمجاعات والجوع، ومن سياسات البطش والقمع والاستبداد في مواطنهم الأصلية، على رغم المبالغ المالية الهائلة المخصصة لحماية حدودها الخارجية، التي بلغت قرابة 8.1 مليارات يورو، ولم تنجز المهمة الصعبة.

وفي الوقت الذي تقول فيه دول الاتحاد الأوروبي بأنها تسعى لإيجاد سياسة توازن بين متطلبات الأمن الداخلي والواجب الإنساني والأخلاقي، الذي يفرض عليها الالتزام بتبني مختلف أنظمة الحماية الاجتماعية وحقوق الإنسان، تستمر معاناة المهاجرين واللاجئين من خلال تعرض أرواحهم لمخاطر «الموت» أو الضياع المخيف، عند قيامهم بمغامرات السفر المضنية والخطيرة جداً إلى «جنة الأحلام» المنشودة في ربوع القارة الأوروبية.

ففي تقريرها الأخير، الذي نشر بالتزامن مع اجتماع وزراء الداخلية للاتحاد الأوروبي في شهر يوليو/ تموز 2014، انتقدت «منظمة العفو الدولية» المدافعة عن حقوق الإنسان، سياسات دول الاتحاد الأوروبي تجاه قضايا الهجرة وممارساتها «الخاطئة» في مراقبة حدودها الخارجية، التي تحاول أن تمنع المهاجرين واللاجئين من الحصول على حق الهجرة واللجوء في أوروبا رغم تعرض حياتهم لمخاطر شتى، ووجهت إليها اتهامات واضحة بالتغاضي عن انتهاكات حقوق حقوق الإنسان فيما يتعلق بقضايا المهاجرين واللاجئين.

منظمة العفو الدولية حمّلت في تقريرها كامل المسئولية إلى دول الاتحاد الأوروبي، عن «موت» أو ضياع الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بشكل جماعي، معلنةً بأن الاتحاد الأوروبي، قد تحوّل إلى «قلعة تعرض للخطر حياة المهاجرين واللاجئين الذين يفرون من أوضاع النزاعات المسلحة والكوارث البيئية والاضطهاد السياسي والاجتماعي والعقائدي»، وتحدّثت عن أكثر من 23 ألف شخص لقوا مصرعهم خلال فترة 15 عاماً من الزمن، أثناء محاولاتهم العبور إلى القارة الأوروبية.

وتقول المنظمة الدولية إن غالبية وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي، مازالوا يرفضون تعديل قواعد اللجوء والهجرة، المعمول بها على امتداد عدة عقود مضت، وأن مفوضية الاتحاد الأوروبي، قد خصّصت موازنة هائلة لحماية حدودها الخارجية من تنامي موجات الهجرة غير الشرعية في الفترة الممتدة ما بين العام 2007 والعام 2013، بلغت قرابة 8.1 مليارات يورو، في الوقت الذي لم تخصّص فيه سوى مبلغ 700 مليون يورو لتحسين أوضاع طالبي اللجوء واللاجئين في جميع دول الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا المجال، تشير تقارير المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى وجود أعداد هائلة من اللاجئين في عموم دول الاتحاد، بلغت حتى الرابع من يوليو/ تموز 2014 قرابة 63.600 لاجىء، وهي أعداد كبيرة تجاوزت الرقم القياسي السابق، الذي بلغ نحو 62 ألف شخص خلال العام 2011، وهو عام ما وُصف بـ «ثورات الربيع العربي» التي فرضت أحداثها وتداعياتها الخطيرة والمقلقة على الكثير من الناس الهجرة إلى المناطق الآمنة في مختلف العواصم الأوروبية والعالمية.

وسجل عدد المهاجرين في العام 2014 رقماً قياسياً فاق كل ما هو معقولٌ بالنسبة للهجرة غير الشرعية، ولاسيما من جهة القارة الأفريقية، حيث بلغت أرقام المهاجرين إلى حوالي 66 ألف شخص كانوا قد دفعوا بحياتهم إلى أصعب المخاطر المحدقة، من أجل تحقيق «أحلامهم والتمنيات» برفاهية الحياة الاجتماعية والاقتصادية في أوروبا.

وفي الوقت الذي ظلت مفوضية الاتحاد الأوروبي تتحدث فيه عن وجود إجراءات وقائية ملفتة، بشأن عدم تعرض المهاجرين لمخاطر كبيرة من خلال توفير التقنيات الحديثة المرتبطة بحدود جغرافية دول الاتحاد الأوروبي، يتحدّث تقرير منظمة العفو الدولية عن أكثر من 200 شخص لقوا مصرعهم على سواحل البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى مئات آخرين اعتبروا في قوافل المفقودين أو كانوا أيضاً في عداد الأموات، خلال النصف الأول من العام 2014.

من هنا تدعو المنظمات الحقوقية الأوروبية والدولية على حد سواء، دول الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات اللازمة والضرورية جداً لحماية اللاجئين والمهاجرين الذين يواجهون مخاطر مزدوجة جرّاء فرارهم من وطأة الكوارث الطبيعية المفجعة والمجاعات والفقر أو الحروب والاستبداد، أو من خلال تعرض حياتهم للموت المحدق أثناء عبورهم الأنهار والبحار والمحيطات الشاسعة للبحث المضني عن عالم الملاذات الآمنة في أوروبا وحول العالم.

Loading