القانون فوق الجميع… درس مستحق من هولندا
يكاد لا يدرك بعض أفراد جهاز الحرس الملكي في هولندا، أن القانون يعلو فوق مستوى الجميع في دولة مؤسسات برلمانية دستورية متقدمة، تلزمها النصوص الدستورية والقانونية بمكاشفة ومساءلة ومحاسبة كل من يخالف أصول القوانين والإجراءات المعمول بها في البلاد، حتى لو كان ملك هولندا فيليم الكسندر نفسه أو أحد أفراد أسرته.
ويبدو أن عدم إدراك هؤلاء الحراس الذين كانوا يحرسون إحدى الأسطبلات التابعة لمنشآت القصور الملكية في لاهاي، قد كلفهم خسارة معنوية ومادية باهظة، بعد أن ضبطت السلطات الهولندية ثمانية عناصر منهم «ملتبسين بالجرم المشهود» من خلال سرقتهم بعض قطع الحلويات والشوكولاتة من موزع اوتوماتيكي يعمل داخل الاسطبلات، حسبما أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع لوسائل الإعلام الهولندية، الذي وصف عملية السرقة بـ «خيانة الثقة والأمانة» التي تستحق المكاشفة والمحاسبة وفرض العقوبة اللازمة ضد الفاعلين وفصلهم من عملهم بشكل نهائي.
وعلى الرغم من أن ما ارتكبه الحراس الثمانية من فعل لا يرقى إلى مستوى «الجرائم الخطيرة»، إلا أنه يقع في إطار «خيانة الثقة والأمانة» التي تبرّر قيام السلطات بإنهاء خدماتهم في جهاز الحرس الملكي من دون سابق إنذار، ومن دون الحاجة الملحة أيضاً لتقديمهم إلى المحاكم، حسبما صرح الناطق باسم وزارة الدفاع الهولندية للصحافة.
إن «خيانة الثقة والأمانة» من الخصائل الرديئة والمنبوذة والعادات السيئة، التي يقع في مطباتها وكمائنها العديد من الناس على مختلف مستوياتهم ومواقع ارتباطهم بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العامة، وهي لم تكن مقتصرة على بلد متقدم أو آخر متخلف، ولكن التباين الواضح في مثل هذه الممارسة السيئة بين تلك البلدان هو تحمل المسئولية والإقرار بالأخطاء ومن ثم تقبل النتائج المتمخضة عن إجراءات المكاشفة والمحاسبة والأحكام القضائية الصادرة بخصوصها.
أمثلة كثيرة من تلك الممارسات الفاضحة تحدث في مختلف البلدان النامية، التي تدعي حكوماتها بممارسة الديمقراطية وحكم القانون وتحرص على وصفه بأنه فوق مستوى الجميع، ولكن أحداً لم يسمع بتطبيق الاجراءات اللازمة والعقوبات ضد من يخرقون مواد القانون من كبار المسئولين الفاسدين أو من حواشيهم وأزلامهم، التي تنعدم في شخوصهم مسئولية الحفاظ على المال العام والثقة والأمانة، كما حدث للحراس الثمانية المتهمين بسرقة قطع الحلويات في هولندا.
متى تصحو وترتقي البلدان النامية ذات الأنظمة التسلطية القهرية، إلى مستوى الدول المتقدمة والمتطورة التي يعلو فيها القانون على مستوى قامات الناس بشكل جماعي، ويخضع فيها كافة المواطنين العاديين والرسميين على حد سواء للمحاسبة الأدبية والأخلاقية والقانونية، بعد ارتكابهم جرائم الفساد والتسلط وخيانة الثقة والأمانة، وتباشر العمل على تطبيق القوانين والاجراءات المكرسة في دساتيرها حول قضايا الفساد والاختلاسات وسوء الإنفاق وانعدام الثقة والائتمان بشتى صورها على أرض الواقع، وتدفع بكل مرتكبي مثل هذه الجرائم المرذولة أو غيرها مهما كان مستوى علو أوضاعهم ومواقعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمثول أمام قاضي التحقيق بتهمة «خيانة الثقة والأمانة»، وذلك من أجل ضمان واحترام العدالة وبناء دولة المؤسسات والقانون الحقيقية، وصنع المستقبل المنشود للأجيال الحاضرة واللاحقة.