المواجهة الحضارية بين الغرب والبلدان النامية
في إحدى منتديات الحوار بين الثقافات في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، تحاور عدد من المثقفين والمفكرين والعاملين في ميادين التنمية الديمقراطية وحقوق الانسان، من الدنماركيين والمهاجرين واللاجئين من القوميات الأخرى التي تعيش في البلاد، حول موضوعات تتعلق بالنظرة الغربية للمجتمعات الأخرى، ولاسيما تلك التي تنتشر فيها بمساحات واسعة قضايا العنف والإرهاب والتعصب الديني والطائفي ورفض الآخر، في ظل المنازعات والمصادمات والمناخات الساخنة والمضطربة التي تشهدها بعض المناطق العالمية في الوقت الراهن.
وفي ما كان يرى بعض المفكرين الدنماركيين وزملائهم من أوروبا، بأن استمرار الاضطرابات والحروب والكوارث الطبيعية الأخرى في مناطق جنوب وشمال وشرق العالم، يشكل خطراً محدقاً على أمن واستقرار القارة العجوز، حيث ستواجه معظم العواصم الأوروبية ولاسيما الملتزمة عملياً وفعلياً بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة بقضايا اللجوء والهجرة، في المراحل اللاحقة، موجات اللاجئين والمهاجرين الذي سيكون من بينهم بواقع الحال من يحملون ثقافة العنف والتعصب القومي والمذهبي. وقال أحد الخبراء المتخصصين بقضايا اللجوء والهجرة، إن أعداداً هائلةً من المتضررين من الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلدان التي تعاني من وطأة الحروب والمنازعات والاضطرابات، سوف تغزو دول القارة الأوروبية.
ويصر العديد من المهاجرين واللاجئين من مختلف البلدان النامية، على أنه لولا اضطهاد الغرب لبلدانهم منذ سنوات حقبة الاستعمار، التي قوضت كل طموحات التطور والتنمية الوطنية الشاملة، واحتكاره حرية القرار الدولي بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة لمعالجات القضايا الدولية الخطيرة المتعلقة بالعنف المسلح والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل وحقوق الانسان، ولولا هذه النظرة الاستعلائية الفوقية من الغرب للمجتمعات الفقيرة، لما نمت وترعرعت ثقافة العنف والتعصب، التي أخذت تبرز ملامحها الأولى في حروب التحرير، التي استنزفت موارد شعوبها على امتداد عقود طويلة من الزمن. ورأوا أن نظرة الغرب على الرغم من مستويات التقدم المذهلة، التي أهلتها لأن تصبح «رائدة التغيير» في العالم، لازالت تشوبها شوائب سلبية وتساهم مختلف وسائل الإعلام والدعاية الغربية في ترويج النظرة السلبية للمجتمعات النامية والفقيرة، التي مازالت تراود أفكارها وتطلعاتها طموحات التطور والتنمية.
ومن بين الكثير من وجهات النظر، التي كانت قد صورت السلبية النمطية للإنسان الغربي، تجاه ممارسات الإنسان في المجتمعات الأخرى، التي لم تبلغ بعد مستويات التطور الممكنة، يرى العديد من اللاجئين والمهاجرين، الذين تخالطوا بقوة مع حياة التعايش اليومية للمواطن الأوروبي، بأن العقلية الأوروبية تكتسب استراتيجية عميقة في استيعاب الأحداث، وأنهم بذلك يقدرون الثقافة الأوروبية والتسامح وحريات الفرد واحترام حقوق الأقليات القومية والإثنية ومختلف الجوانب الايجابية في شخصية المواطن الأوروبي وإخلاصه وتعاونه وتفانيه في العمل وممارسته الحقيقية للديمقراطية واحترامه للقوانين والدساتير وحقوق الإنسان. ويؤكدون على أن هذه السمات والخصال الحميدة هي التي مكنت الغرب من بلوغ مستوى التطور والتقدم المذهل في مضمار العلم والتصنيع والاكتشافات التكنولوجية الحديثة وإحداث التغيير، ولذلك يجب أن تكون ثقافة الغرب ذات الطابع الإنساني والأخلاقي بمثابة «إلهامٍ» للناس في مختلف بقاع العالم، وتطبيق مضامينها وشعاراتها على أرض الواقع، وليس مواجهتها تحت أية مبررات تتعلق باختلاف التقاليد والعادات والخلفيات الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية والبيئية.
وفي ختام الحوارات، التي استمرت على مدى أكثر من ثلاث ساعات من الزمن وتخللتها بعض النقاشات الساخنة والجدية، اقترح البعض أن تساهم المنظمات الديمقراطية والحقوقية الغربية بالتعاون مع المنظمات المماثلة في البلدان النامية بخلق علاقات مباشرة ومتطورة من أجل تغيير المشاهد السلبية ونظرة المجتمع الأوروبي والمجتمعات الأخرى كلّ منها لثقافة الآخر، واحترام التجارب الناجحة في تلك البلدان والاستفادة منها لبناء وخلق نظام عالمي جديد يكرس جميع أهدافه وتطلعاته لخدمة البشرية بمختلف أبعادها الثقافية والعلمية والأخلاقية والإنسانية.