إبراهيم شريف السيد… و«مجموعة الثمانية» والمهاتما غاندي

نظمت القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة في البحرين، وقفة تضامنية «إنسانية وأخلاقية» مع جمعية «وعد»، وأمينها العام إبراهيم شريف السيد، مساء الأربعاء (6 أغسطس/ آب 2014) احتجاجاً على كل ما تعرّض له من اتهامات باطلة ومحاولات تشويه للسمعة النضالية والانسانية، وآخرها ما أشيع في بعض الصحف المحلية مؤخراً عن تقديم استقالته من المكتب السياسي للجمعية بعد رفع الدعوى التي تقدّم بها وزير العدل البحريني للمحكمة الإدارية لبطلان مؤتمرها العام الذي عقد في العام 2012، بحسب البيانات الصادرة عن الجمعية، منذ تاريخ اعتقاله في العام 2011 وحتى اللحظة الراهنة.

ابراهيم شريف السيد مناضل سياسي وحقوقي وخبير اقتصادي، برز في الواجهة بعد توليه منصب الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» خلفاً للأمين العام السابق المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن محمد النعيمي، الذي كان بمثابة «الأب الروحي» لليسار في البحرين، والناطق باسم حركات التحرر العربية في دمشق أبان سنوات النضال في المنفى، والذي لعب دوراً بارزاً ومهماً لترشيح شريف في هذا المنصب، بعد أن كان نائبه الأول للشئون التنظيمية بالجمعية، لأنه وجد في شخصه مؤهلات المناضل الشجاع والصلب، الذي يمكن أن يعوّل عليه في تأدية المهام الصعبة وتحدي المخاطر. وقد سمعت من النعيمي نفسه يقول لي إن «إبراهيم شريف السيد يخفي موهبة بارعة في السياسة ونظرة ثاقبة للمستقبل».

ولكن من مفارقات الزمن أن ابراهيم شريف، عندما تولى منصب الأمين العام لجمعية «وعد»، ثاني فصيل وطني معارض في البلاد من حيث الثقل السياسي والقاعدة الجماهيرية العريضة، اعتبره البعض مجرد أمين عام عابر للسبيل. وقد وصل إلى هذا المنصب «بالواسطة» أو «بتحالفات وضغوطات القوى النافدة في الجمعية»، التي كان يطلق عليها الجناح المعارض بالجمعية في ذلك الوقت «بعصابة الأربعة» المكوّنة من أربعة أشخاص قياديين بارزين ويدينون بالولاء التام القوي والمخلص، لزعيم التنظيم المناضل عبدالرحمن النعيمي، وفكره ونهجه السياسي والنضالي، وهم (ابراهيم شريف، رضي الموسوي، عبدالله جناحي ومحمود حافظ). والذي قيل بأنها الجماعة نفسها التي كان يثق بها النعيمي ويمنحها الثقة في اتخاذ القرارات، وهي التي حثّت وقدّمت صورة «ناعمة وبراقة» له عن حياة شريف السياسية والنضالية وإخلاصه للجمعية، من أجل كسب تأييده وقبول ترشيحه للزعامة، حيث لم تكن له صورة ولا إرث ولا أية أمجاد نضالية سابقة ـ بحسب الجناح المعارض ـ الذي كان يمثلة أيضاً أربعة أعضاء قياديين بارزين وهم (المحامي عبدالله هاشم وسعيد العسبول ومحمد عبدالجليل المرباطي بالإضافة إلى المحامي عيسى ابراهيم). وإذا به يبرز على السطح بسرعة البرق كظاهرة سياسية بحرينية، فالرجل استطاع التحوّل فجأةً من اقتصادي بارع ومدير «بنك طيبة» التجاري، إلى زعيم لأول جمعية سياسية معترف بها في البحرين وعلى مستوى الخليج، يجيد التعامل مع الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مستوى البلاد، ويدعو دائماً لبناء مجتمع متطور ودولة مدنية ديمقراطية برلمانية دستورية، على غرار الدول الديمقراطية المتقدمة في العالم، بكافة الوسائل السلمية المشروعة.

وأما المواطنون العاديون، الذين لا يعرفون شيئاً بارزاً عن حياة إبراهيم شريف السيد، أو تاريخه السياسي، فقد ظلوا يتساءلون: لماذا اعتقلت السلطة إبراهيم شريف، الرجل «السني» الوحيد من بين مئات المواطنين المعتقلين، على خلفية أحداث فبراير 2011 المتهمة بتحريك كل فصولها الشارع الشيعي أو الطائفة الشيعية؟ والجواب الشافي على ذلك السؤال الواضح، هو بالضبط كل ما قاله شريف عن نفسه في مرافعته أمام المحكمة في 5 يونيو/ حزيران 2012، مفنّداً جميع التهم التي ساقها ضده الادعاء العام، ومن أبرزها الترويج لقلب وتغيير النظام القائم بالقوة من خلال التحريض والكتابة والخطب والبيانات، واتهام سلطات الدولة بفقدان السيطرة على الأمور، وانتهاجها ممارسات غير مشروعة، ووجود تمييز طائفي في البلاد… والمشاركة مع مجموعة من 21 شخصاً يستهدفون الاطاحة بالحكم.

كان يدافع عن حقوق عامة، بوسائل سلمية مشروعة، مكرسة في نصوص الدستور والقوانين البحرينية والدولية، وليس عبر استخدام وسائل القوة والعنف المرفوضة في جميع الشرائع السماوية والوطنية والدولية.

وكان من أبرز ما قاله أمام المحكمة: «دعوني أيها السادة الكرام أن أبين لكم موقفي وموقف جمعية (وعد) المبدئي من رفض استخدام العنف أو القوة كمحرك للتغيير السياسي، لأن أصحاب النهج السلمي ـ وأنا منهم ـ يعتبرون الاحتكام للقوة المسلحة أو استخدام العنف هي من المحرمات التي تلحق أضراراً بالغة بالقضية وأصحابها». واستشهد بقول للمهاتما غاندي (رجل السلام والمحبة) عندما كان يناضل ضد القوانين العنصرية في جنوب أفريقيا وقال لأنصاره: «أنا مستعد للموت من أجل قضايا كثيرة، ولكن يا أصدقائي ليست هناك قضية واحدة تستحق أن أقتل من أجلها».

من هذا المنطلق والتوجه الأخلاقي والإنساني والسلمي، كان إبراهيم شريف يدافع عن قضايا عامة، وينتقد الاضطهاد والحرمان والتمييز على امتداد عقود من الزمن، وبسبب هذه المواقف الوطنية والصادقة، تعرّض للاعتقال والتعذيب النفسي والجسدي وتشويه الصورة والحكم بالسجن 5 سنوات، من دون أن تستطيع زحزحة مواقفه المبدئية الصلبة أو تضعف معنوياته وإرادته.

Loading