جرائم النزوح الأكبر في التاريخ

لم يحدث خلال عدة عقود من الزمن أن توسعت وتعمقت جرائم النزوح بسبب صراعات وحروب الأديان بهذه الصورة الوحشية، التي شهدت وطأتها القاسية والموجعة في الآونة الأخيرة مناطق عديدة في العالم، ولاسيما الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تستعر موجات الحروب والنزاعات القومية والإثنية والطائفية والدينية، من دون أن تتصدى لها روادع أو حلول موجبة يمكن أن تخفف من وطأة الاندفاع الجنوني للمحاربين، نحو عمليات التدمير والقتل والتهجير والإبادة.

فقد تحدث تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي للعام 2013 الذي تستعرض فيه أوضاع حقوق الإنسان والحريات الدينية حول العالم، عن «أكبر ظاهرة نزوح سكاني في التاريخ الحديث، ناجمة عن صراعات وحروب الأديان والنزاعات المسلحة وعمليات التمييز العرقي والانتماء الديني والعقائدي».

ويشير التقرير إلى وجود انتهاكات صارخة وجرائم بشعة بحق الملايين حول العالم من أصحاب الديانات المسيحية والإسلامية والهندوسية والبوذية وغيرها من المعتقدات والديانات الأخرى، الذين أجبروا بقوة الأمر الواقع على مغادرة بيوتهم ومدنهم ومناطقهم وقراهم بسبب معتقداتهم الدينية.

ويضيف التقرير أن هناك مناطق كثيرة ممتدة من الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، وصولاً إلى أوروبا، تختفي فيها مجاميع كاملة من منازلها التقليدية والتاريخية وتذهب في فضاء المجهول.

وتتوسع حركات النزوح السكاني بصورة خاصة في مناطق الحروب والنزاعات المسلحة كما هو الحال في سورية وجمهورية أفريقيا الوسطى، وكذلك ميانمار (بورما) التي لاتزال تشهد صراعات دينية قاسية وعنيفة، سقط خلالها مئات الآلاف من ضحايا الإبادة الجماعية والمهجرين والمشردين.

ففي سورية التي شهدت نزاعاً مسلحاً مستمراً منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم يعد هناك أثر واضح للوجود المسيحي، الذي كان ملفتاً في سنوات ما قبل الأحداث، فمثلاً في مدينة حمص تراجع عدد المسيحيين من حوالي 160 ألف شخص قبل الأحداث إلى نحو 1000 شخص في الفترة الأخيرة.

وفي ميانمار التي تتصاعد فيها أعمال العنف المنهجي ضد الأقلية الإسلامية، من قبل الأغلبية البوذية، شهدت البلاد في خلال الفترة الأخيرة، مقتل أكثر من 200 شخص وقرابة 140 ألف نازح يرزحون اليوم في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة المعيشية اليومية.

ووجه تقرير وزارة الخارجية الأميركية أيضاً انتقادات صارمة إلى كل من بنغلاديش وسيريلانكا بسبب أعمال العنف المستمرة ضد الأقليات الهندوسية والمسلمة والمسيحية، وكذلك أعمال العنف الدينية بين المسيحيين والمسلمين في أفريقيا الوسطى، التي أدت إلى مقتل 700 شخص على الأقل في مختلف مناطق البلاد خلال العام 2013.

وذكر التقرير حالات اضطهاد واسعة ضد الطائفة الشيعية في بعض دول الخليج، وضد الطائفتين الشيعية والقبطية في مصر، وكذلك الطائفة الشيعية في باكستان، وأعمال اضطهاد ضد الطوائف الأخرى غير الشيعية في إيران.

ولم يأتِ تقرير الخارجية الأميركية الذي كان قد تناول أحداث العام 2013 على ذكر عشرات الآلاف من المسيحيين والشيعة والمندائيين والصابئة والايزيديين وغيرهم من الأقليات الأخرى في جمهورية العراق، الذين أرغموا على الفرار من منازلهم بواسطة القوة الغاشمة، والنزوح إلى مناطق يفترض بأنها تكون أكثر أمناً في ربوع البلاد، ولاسيما بعد الهجمات المسلحة التي شنها جنود تنظيم «دولة داعش» في الموصل وتكريت وتلعفر وغيرها من المدن والمناطق التي سقطت في أيادي جنود هذا التنظيم في الفترة الأخيرة، إلا أنه أتى على تسجيل بعض التجاوزات الاجتماعية وعمليات التمييز بناءً على الانتماء العقائدي، حدثت في عموم البلاد خلال العام 2013.

وخلال عرض هذا التقرير على رجال الصحافة والإعلام في مؤتمر صحافي، وجه وزير الخارجية الأميركية جون كيري انتقادات شديدة اللهجة إلى تنظيم «دولة داعش» وممارساته الطائشة والوحشية بالقول: «لقد رأينا جميعاً وحشية (الدولة الإسلامية) وقسوتها التي لا تُصدّق»، وألقى باللائمة على الجهات التي لاتزال تدعم توجهات هذا التنظيم.

وأما بخصوص الأوضاع الحقوقية والإنسانية في أوروبا، فقد تحدث التقرير عن تصاعد مشاعر العداء للسامية والإسلام بشكل خطير في بعض أنحاء أوروبا؛ وكذلك العنصرية ضد الأقليات القومية والإثنية، حيث ثبت أن عدم التسامح ليس مقتصراً على دول تشهد اضطرابات أو نزاعات مسلحة أو حروب أديان، بل أيضاً البلدان المتقدمة والمستقرة، يحدث فيها بشكل ملفت انعدام التسامح والاضطهاد ورفض الآخر.

Loading