الفقراء… ضحايا الفساد

تحدثت دراسة حديثة نشرتها مؤخراً منظمة “وان” الأميركية المناهضة للفقر، بشكل مقلق ومخيف حول أوضاع الفساد والجريمة، التي تسود مناطق عديدة في العالم، وجاءت تحت عنوان “فضيحة التريليون دولار”. وعلى الرغم من التقدم الكبير على مدى العقديين الماضيين في خطوات مكافحة الفقر المدقع، فإن هذا التقدم ظل يتعرض إلى هزات وتحديات جدية، ويلقي بظلاله على الكثير من مخاطر الفساد والجريمة، نتيجة استشراء الفساد وتأسيس الشركات الوهمية وغسيل الأموال، التي أدت بدورها إلى تدهور أوضاع ملايين البشر مادياً واجتماعياً وصحياً في أنحاء العالم، وحرمان المجتمعات الفقيرة بالذات من الاستفادة من حوالي تريليون دولار سنوياً، إضافةً إلى توسع نطاق آثارها العكسية الخطيرة، التي يمكن أن تتسبب في موت قرابة 3.6 ملايين إنسان سنوياً على سطح الكرة الأرضية.

وأشارت دراسة المنظمة، إلى أن كثرة الفساد وتفشي الجريمة وأنظمة احتكار الثروة، يمكن أن تعيق الاستثمار وتحد من توسع النمو الاقتصادي، وتزيد من تكلفة إدارة الأعمال، ونشوء اضطرابات سياسية واجتماعية في البلدان النامية والفقيرة. ويمكن أن يكون الفساد عاملاً مساعداً على الحرمان والعوز المادي لفئاتٍ متعددةٍ في المجتمع، يدفع بدوره إلى التسبب في سقوط كثير من الضحايا، عندما تعجز الحكومات عن تنفيذ المزيد من خطط وبرامج الرعاية الاجتماعية العامة، وتخصيص الأموال اللازمة والضرورية للمشاريع المرتبطة بتطوير وتعزيز هياكل البنى التحتية الأساسية والموارد الغدائية والتأمين الصحي، والكشف عن مصادر انتشار الفساد وغسيل الأموال.

وتضمنت هذه الدراسة، التي عبرت عن أسف المنظمة للسياسات الوطنية في بعض الدول، التي تتجه نحو التشجيع والمساعدة على تفشي الفساد والرشى وشراء الذمم وانعدام الرقابة القانونية على سلوك الأفراد في المجتمع، بعض التوصيات المهمة التي يمكن من خلالها مواجهة الفقر في البلدان الأكثر فقراً في العالم، ولاسيما بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، التي تعاني مجتمعاتها من مختلف مظاهر الفقر المدقع والحرمان من أبسط متطلبات الحياة الصحية والمعيشية اليومية.

ومن بين أهم هذه التوصيات، تحسين مشاريع الصحة العامة، وتوفير الأدوية والعقاقير لأكثر من 11 مليون إنسان يعانون من مرض الأيدز، وتوسيع قطاعات التعليم لتشمل قرابة عشرة ملايين طفل إضافيين في العام الدراسي الواحد، وتوفير المزيد من الأموال لدفع مرتبات حوالي 500 ألف معلم إضافي لمراحل التعليم الأساسية، وتطوير مختلف سبل التنمية.

كما أوصت المنظمة، باتخاذ كافة الإجراءات الرادعة، ضد المتهربين من دفع المستحقات الضريبية، كي يتسنى لحكومات الدول النامية الحصول على المعلومات اللازمة بشأن الضرائب، وانفتاح هذه الحكومات على المكاشفة والمساءلة والمحاسبة على أفعالها المتعلقة بتوفير الخدمات الأساسية العامة، أمام المجتمع.

وقالت دراسة المنظمة إن “جميع حكومات الدول الصناعية الكبرى، التي سوف تلتئم في اجتماع القمة الاقتصادية في استراليا خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، مدعوةٌ إلى البحث في مدى الضرر الذي يتسبب به الفساد على مستوى المجتمعات والدول، وضرورة اتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة، والتي تركز بصورة خاصة على المعلومات العامة بشأن ملكية الشركات المتعددة الجنسيات للحد من عمليات غسيل الأموال، وكشف هويات المجرمين الذي يتلاعبون بالمال العام ويمارسون عمليات غسيل الأموال، والمطالبة بإقرار قوانين تلزم قطاعات النفط والغاز والتعدين بتقديم تقارير مفصلة وصريحة لمنع أية سرقات محتملة للمواد الطبيعية في مختلف دول العالم.

وتنذر مؤثرات الفساد والجريمة، التي لا يمكن أن يخلو من شرّهما أي مجتمع أو دولة، بعواقب وخيمة على مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية العامة في المجتمع، والتي تستطيع بدورها أن تعرقل أو تعطّل الكثير من مشاريع التنمية الشاملة، وتقوّض الحركة الديمقراطية الصحيحة وتضعضع القيم والمبادئ الأخلاقية، وتضعف الروابط الاجتماعية والروحية، وتعمل على اتساع الفوارق الطبقية في المجتمع. ومع التوجهات العالمية الحثيثة نحو مكافحة مظاهر الفساد والجريمة، يأمل المجتمع الدولي برمته، بأن يترجم الكثير من هذه المطالب والتوصيات إلى حقيقة قائمة على أرض الواقع.

Loading