حق الشعوب في السلام… وسباق التسلح الدولي

استغل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مناسبة احتفال المنظمة الدولية والعالم بالذكرى السنوية الثلاثين لإعلان الأمم المتحدة بشأن حق شعوب العالم في السلام والاستقرار، الذي تم الاحتفاء به هذا العام تحت شعار «حق الشعوب في السلام»، لتذكير المجتمع الدولي بأهمية تكريس وتعزيز مبدأ الحريات وحق الشعوب في السلام واحترام حقوق الإنسان والكرامة البشرية والقيم الديمقراطية والأخلاقية، ومواجهة الخطابات الداعية للكراهية، التي تسعى إلى تحريض الثقافات ضد بعضها البعض، وتوجيه الدعوة إلى حكومات العالم برمته من أجل تبني مشاريع جادة وملتزمة بإنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب والدمار، التي تهدّد مصير ملايين الناس في مختلف مناطق الحروب والنزاعات والاضطرابات المستعرة بقوة في هذا الوقت بالذات على سطح الكرة الأرضية.

وفي الوقت الذي ظلت الأمم المتحدة تكرّس جهودها على الساحة الدولية، وتبذل المساعي الحثيثة على امتداد قرابة ثلاثة عقود من الزمن، من أجل التصدي لكوارث الحروب والاضطرابات الدامية، التي تعم مناطق كثيرة في العالم، وتحث المجتمع الدولي على التعاون مع مختلف مشاريعها الإنسانية الرامية إلى مواجهة سعير الحروب والنزاعات ومكافحة سرطان التطرف والتعصب القومي والإثني والديني والعقائدي، ومعالجة الأسباب الجذرية لمختلف النزاعات الدائرة في أنحاء العالم، تتحدّث المصادر المتخصصة في مجالات بيع وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية عن وجود حركة واسعة في السوق العالمي للسلاح تجاوزت حدود المعقول بالنسبة لبعض الدول ذات الإمكانيات الاقتصادية الضخمة، والتي لاتزال تتباهى بامتلاك ترسانات الأسلحة والمعدات الحربية المتطورة والمتنوعة، أو تلك التي تحاول أن تبذل المساعي الجبارة لتكريس وتعزيز قدراتها الدفاعية العسكرية والأمنية وتطوير الجاهزية القتالية لقواتها المسلحة، نتيجة تصاعد موجات الحروب والاضطرابات، التي يمكن أن تهدد أمن واستقرار وسيادة أراضيها أو كياناتها السياسية الرسمية، والتي باتت في الوقت الراهن تمثل ظاهرة مقلقة ومخيفة على مستوى التعايش السلمي العالمي.

وفي هذا المجال بالذات، تحدث تقرير معهد بحوث السلام الدولي في أستوكهولم بالسويد للعام 2013 عن لوائح وأرقام مذهلة في مجالات الإنفاق العسكري العالمي، بلغت قرابة 1.75 تريليون دولار خلال العام 2013، الأمر الذي قد يؤكد على ضعف وهشاشة خطوات التقدم نحو السلام، ويزيد من رواج صفقات السلاح العالمي وإنتاج المعدات العسكرية الحديثة والمتطورة، التي قد تصبح أكثر قوة وسرعة ودقة في المستقبل، مما قد يساهم بشكل واضح في تطوير مختلف أساليب قدراتها التدميرية والتسبب في قتل الأرواح البشرية البريئة والآمنة، بدلاً من وضع الحلول الإيجابية والناجعة لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب والصراعات، والعمل على معالجة مشكلات الفقر والاضطهاد والتمييز، والصراعات القومية والإثنية والدينية، التي أصبحت اليوم تغذي دائماً هذه الحروب والنزاعات والاضطرابات.

ويؤكد تقرير معهد بحوث السلام الدولي، على أن استمرار الحروب والنزاعات في مختلف المناطق المضطربة حول العالم، سوف يفضي بكل تأكيد إلى زيادة تصنيع وتطوير السلاح الفتاك، بقدر ما يكون مطلوباً العمل بشجاعة على تدمير مختلف أدوات القتل والدمار التي تهدد حياة المجتمعات البشرية جمعاء، وتقضي على الزرع والضرع في ربوع العالم.

ويشير تقرير المعهد الدولي، إلى أنه على الرغم من الانخفاض الطفيف، الذي طرأ على عمليات الإنفاق العسكري في العام 2013 والذي قدر بحوالي 1.9 في المئة عن العام 2012، فإن حمى سباق التسلح الدولي والتهافت المجنون على شراء السلاح والمعدات العسكرية الأخرى، أصبح أمراً واقعاً تسلم به كافة حكومات العالم، سواءً تلك التي تظل تحرص على حماية أمنها الذاتي من التصدّع والانهيار، أو التي تحاول أن تنشر القيم الديمقراطية والإنسانية في خارج حدودها الدولية.

وقال التقرير أن الولايات المتحدة الأميركية تأتي في صدارة الدول العالمية في عمليات الإنفاق على السلاح، بعد أن كانت قد صرفت مبالغ تقدّر بحوالي 640 مليار دولار بأقل من 7.8 في المئة على مدى العام الواحد.

وتأتي الصين في المرتبة العالمية الثانية بنسبة 7.4 في المئة، حيث ارتفعت نسبة إنفاقها على عمليات شراء السلاح في العام 2012 إلى 188 مليار دولار، فيما تأتي روسيا في المرتبة الثالثة بما يقارب 5 في المئة، ليصل إجمالي مدفوعاتها على السلاح إلى 87.8 مليار دولار.

وفي العام 2013 أنفقت المملكة العربية السعودية قرابة 67 مليار دولار على عمليات شراء السلاح، بزيادة قدرها 14 في المئة عن العام 2012، تلتها في قائمة الدول كل من فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا واليابان والهند وكوريا الجنوبية، واستمر التباين في الإنفاق على مستوى الأقاليم والمناطق العالمية في العام 2013، حيث انخفض الإنفاق في أميركا اللاتينية وأوروبا الغربية والوسطى واستراليا، بعد نجاح محاولات توسيع تدابير التقشف في تلك البلدان، فيما ظلت حركة صادرات السلاح تزداد بشكل ملفت في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط ودول شرق القارة الأوروبية، بسبب اتساع نطاق أعمال العنف والتطرف والحروب والنزاعات المسلحة الدائرة بشكل مستمر هناك.

Loading