«عالم من دون فقر»… هدف الإنمائية الألفية الجديدة

«ستمحى كل مظاهر الفقر من العالم برمته وسيكون هناك عالم من دون جوع، وستسود المساواة والعدل بين البشر وسيتم إيقاف تدمير البيئة والحياة، وستعطى ضمانات واضحة لحماية البحار وإعادة تدوير المواد البلاستيكية والأجهزة التقنية وتجديد صناعتها بشكل مستدام، وستطرح برامج كثيرة لتطوير المدن الكبيرة وحوافز راقية للتنمية، وتطبيق قوانين وإجراءات التوزيع العادل للثروة والإنصاف والعدل في العمل على أرض الواقع. وستكون هناك مشاريع خاصة لتقوية الطاقة الكهربائية وتوفير المياه الصالحة للحياة، وسوف يسود مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وتوفير مجالات واسعة بشأن التعليم وتأمين الصحة للجميع، وستتخذ قرارات ملزمة لجميع الدول الغنية الموقعة على معاهدة الأمم المتحدة للتنمية بالتبرع بمبالغ مالية معقولة من معدل دخلها القومي لبرامج التنمية المتنوعة في ربوع العالم».

حزمة كبيرة من الوعود الجميلة والملهمة، تضمنتها جوانب وثيقة الأمم المتحدة الجديدة، التي صدرت مؤخراً تحت عنوان «عالم من دون فقر»، وفصلت فيها المنظمة الدولية، جميع الأهداف الإنمائية للألفية المستدامة الجديدة حتى العام 2030، وتمنت على المجتمع الدولي التجاوب معها من أجل رفاهية شعوب العالم.

لقد تحدثت الوثيقة الجديدة (الاتفاقية) التي تضمنت 17 هدفاً منشوداً لإسعاد البشرية، عن مهمات دولية مشتركة وعن إمكانيات اقتصادية هائلة وتحركات غير مسبوقة لمنظمات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، من أجل وضع نهاية سريعة ومحتومة للفقر والعوز المادي في أنحاء العالم. وأضافت أنه حتماً يمكن البحث عن وسائل جديدة تكون كفيلة بتحقيق كل أهداف الألفية المستدامة على أرض الواقع، بعد أن تنتهي في السنة المقبلة آخر مراحل الاتفاقية الدولية التي وضعتها الأمم المتحدة لتحقيق الأهداف الثمانية للتنمية المستدامة حول العالم.

وبناء على ذلك فإن الأمم المتحدة سوف يكون في مقدورها على مدى خمسة عشر عاماً مقبلة، أن تحقّق نصراً حقيقياً في مختلف مجالات التنمية المستدامة على رغم التحديات الكبيرة السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تؤثر بدورها تأثيراً واضحاً على مستوى قراراتها وتطلعاتها للمستقبل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع المنظمة الدولية التي لا تمتلك القدرة على الإلزام أو تنفيذ المقررات الخاصة بسبب ضغوط الدول الكبرى المؤثرة وتحيزاتها، أن تكون مخلصة ووفية لكل هذه الوعود الجميلة، أم أنها ستصبح مجرد حبر على ورق مثلها مثل قضايا عالمية كثيرة لم تحسم أمرها في السابق دعوات ومناشدات وقرارات المنظمة الدولية.

وجاء في محتوى هذه الوثيقة، أن عمليات مكافحة الفقر والعوز المادي تأتي في مقدمة أهداف الألفية الجديدة بالنسبة للقضاء على الفقر ومحو أثره من العالم برمته. وأن أهداف الألفية المستدامة الجديدة سوف تلزم الدول الموقعة عليها بتطبيق نصوص وبنود الوثيقة، كما تلزم الدول الغنية بأن تتبرع بـ 0. 7 في المئة من معدل دخلها القومي لبرامج التنمية الشاملة في العالم. وأن المساواة والعدل في تطبيق القوانين في كل العالم هي إحدى الأهداف الرئيسة التي يجب تحقيقها وإحراز التقدم المنشود من خلالها حتى العام 2030.

ومما طرحته الوثيقة أن حماية بحار العالم التي تعاني من الإهمال والنفايات والتي قد تهدد حياة ملايين الناس الذين يعيشون على ثرواتها أو بالقرب منها ينبغي حمايتها من الإهمال والتلوث. وأن عشرات الأنواع من الكائنات الحية قد تعرضت إلى الانقراض في السنوات الماضية بسبب تدمير البيئة والحياة، وينبغي الآن أن يتوقف كل هذا الدمار الهائل. وأن دعم دول العالم الثالث في برامج حماية البيئة وتفعيل الاتفاقيات الخاصة بحمايتها من التغيرات المناخية هي أحدى الأمور الملحة لمساعدة هذه الدول للخروج من أزماتها الإنسانية والبيئية.

وأن سكان المدن الكبيرة بدأوا يعانون من أزمات السكن وقلة فرص العمل ومن التغيرات المناخية، فكان من أهم واجبات الأمم المتحدة هي المطالبة الملحة بأن تكون المدن الكبيرة صديقةً للبيئة وتستجيب لمتطلبات سكانها. وبسبب تكاثر مظاهر الفقر والعوز المادي ونظراً لاستحواذ واحد في المئة فقط من سكان العالم على نصف ثروات العالم، فإنه ينبغي أن يكون في السنوات المقبلة توزيع عادل للثروة يكون أكثر إنصافاً وعدلاً بين البشر. ومع عدم وجود إنصاف وعدل في العمل، فإنه من الواجب أن تكون هناك تحسينات واضحة في مختلف مجالات العمل وجعلها منصفة وعادلة لجميع العاملين، مع توفير فرص عمل لائقة للأجيال الراهنة واللاحقة من الشباب.

إن هناك أكثر من 800 مليون إنسان لا يجدون في هذا الوقت الغذاء الكافي، وتطالب الأمم المتحدة بتوفير الغذاء لكافة سكان الأرض. وهناك ضرورة ملحة للاستفادة من مخلفات المواد البلاستيكية والأجهزة التقنية من خلال إعادة تدويرها واستخدامها وإعادة تصنيعها بطريقة مستدامة ولا تخلف نفايات ضارة للبيئة.

وهناك أكثر من 770 مليون إنسان في مختلف دول العالم يعيشون اليوم من دون ماء، يفترض أن يتوفر لهم الماء الكافي للشرب. كما أن هناك أكثر من مليار و300 مليون إنسان يعيشون اليوم من دون تيار كهربائي، وهو ما يجب أن يتغير بحلول العام 2030 عبر تأسيس بنية تحتية في العالم الثالث واستخدام الطاقة البديلة هناك. وبسبب غياب العناية الصحية أو الأدوية اللازمة، يفقد كل 5 ثوان طفل حياته في العالم، ومن واجب الأمم المتحدة أن تطالب بالتأمين الصحي والأدوية واللقاحات اللازمة لجميع سكان العالم. كما أن من واجبها السعي لتوفير فرص المساواة بين الرجل والمرأة في شغل المواقع العامة، وكذلك المواقع السياسية والعمل على إنهاء جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة.

ومن الأهداف الرئيسية أن يكون التعليم حقاً للجميع، ومتوفراً لكل إنسان بصرف النظر عن جنسيته أو عقيدته أو إثنيته أو أوضاعه المالية أو الاجتماعية. إلى جانب هدف تشييد بنية تحتية صلبة في العالم تراعي فيها شروط وظروف الحماية البيئية واستدامة الثروات الطبيعية العالمية باعتبار ذلك واجباً على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

لكن جميع مصوغات هذه الوعود الجميلة، التي لازالت تمثل أهدافاً رئيسية وتطلعات وطموحات مشتركة وموسعة للمجتمع الدولي برمته، تبقى عديمة الجدوى والنفع، إذا لم تترجم مفاهيمها ومضامينها وأهدافها عملياً على أرض الواقع، حيث أن ضمان الحقوق الإنسانية والعدل الاجتماعي والاقتصادي بين الناس جميعاً في حاضرهم ومستقبل أبنائهم، هو الشرط الأول والضروري من أجل تنمية مستدامة عالمياً، وتعبئة حركة واسعة ومنظمة للقضاء على مختلف مظاهر الفقر والتمييز والتخلف، وتحديات الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية المخيفة، التي ما برحت تسود حالياً مناطق كثيرة في العالم، وذلك من خلال تبني السياسات والخطط والمشاريع والبرامج العلمية الحديثة ذات الاهتمام المركز تجاه الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان وتكريس وتعزيز ركائز التنمية المستدامة والقدرة على احتواء المشكلات الخطيرة التي تنشأ في كثير من دول العالم التي تشهد اضطرابات وحروباً ونزاعات قومية واثنية وكوارث بيئية.

Loading