لماذا أصبح «ابن الجنرال الإسرائيلي» داعية سلام؟
بدعوة من جمعية الصداقة الدنماركية الفلسطينية، استضافت «جمعية العمل المشترك بين الشعوب» في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، في التاسع من سبتمبر/ أيلول 2014 الكاتب الصحافي ومؤلف كتاب «ابن الجنرال… رحلة اسرائيلي في فلسطين»، ميكو بيليد، الذي ينتمي إلى عائلة يهودية عريقة هاجرت من روسيا إلى «إسرائيل» في بداية مراحل تأسيس الدولة العبرية، حيث كان والده ماتي بيليد أحد الضباط الكبار في جيش الاحتلال، ثم عضواً في الكنيست الاسرائيلي (البرلمان)، وجدّه لأمه أفراهام كاتز نيلسون كان قائداً من كبار القادة الصهاينة ومن الرواد الأوائل الموقعين على وثيقة ما سمي بـ «إعلان الاستقلال»، ثم شغل فيما بعد منصب سفير «إسرائيل» في اسكندنافيا.
بدأ ميكو بيليد بالحديث، الذي استمر أكثر من ساعتين، بحضور حشد من النشطاء السياسيين والحقوقيين والمثقفين والمفكرين والصحافيين وطلاب الجامعات والمعاهد الدنماركية، عن نفسه وعائلته، والديه وأخته وزوجته، الذين تشاركوا معه في النبع نفسه الذي استقت منه أفكاره التغييرية تجاه الدولة الصهيونية العنصرية، وتحوّلوا جميعاً من نشر دعوة التعصب الأعمى إلى الصهيونية، إلى دعاة سلام ومحبة وتفاهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومحاولات تعرية أهداف «إسرائيل» وأوهامها وسلوكها العدواني في مسار قصته، التي روى كامل فصولها في كتابه «ابن الجنرال»، وهو عبارة عن رواية سردية سريالية مؤثرة تحكي قصة صبي إسرائيلي صهيوني أدرك أن روايته للقصة، لم تكن الرواية الوحيدة، حيث أن هناك أموراً كثيرة تجاوزت حدود المعقول، حدثت من قبل الدولة العبرية ضد شعب فلسطين المنكوب. واختار أن يزرع الأمل في واقع يعتبره الجميع من سابع المستحيلات. يقول: «أشعر بأن رحلتي في جميع المناطق الفلسطينية واللقاء مع ناشطين من مختلف المنظمات الفلسطينية، ورؤاي السياسية المنفتحة التي اكتسبتها من والدي، يمكن أن تقدّم نموذجاً للمصالحة، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في أي مكان ينظر فيه الناس إلى الآخر مرتابين، ويسكنهم الخوف أكثر مما تسكنهم إنسانيتنا المشتركة».
لقد لخص ميكو بيليد سيرته الذاتية، بأنه كان يحلم يوماً بأن يصبح جنرالاً في جيش الدفاع الاسرائيلي مثل والده، ولكنه سرعان ما تخلى عن ذلك الحلم الذي راوده وهو في سن الصبا، مثله مثل أي كائن طموح صهيوني، وذلك عندما اكتشف فجأةً بأن جيش الاحتلال يقمع الفلسطينيين ويحصد أرواحهم ويسلب ممتلكاتهم من دون أية أسباب واضحة. وقال أن معركته مع نفسه في شأن تخليه عن الصهيونية، بدأت عندما كان يشارك ضمن طاقم جنود مكلّف في القيام بدوريةٍ داخل أراضي الضفة الغربية، وشعر بأنه ورفاقه من «الجنود الشجعان» قاموا بانتهاك حرث فلاح فلسطيني من غير سبب، وعندما تحدث مع ضابط الدورية بخصوص التصرف الأحمق وغير اللائق الذي قام به الجنود تجاه الفلاح الفلسطيني، نهره الضابط وأمره بالعودة مجدداً إلى مكانه في الدورية.
ويضيف أنه بعد مشاهدة أحداث مماثلة لهذا الحدث المثير للدهشة والاستغراب، بدأ يتخلى تدريجياً عن حلمه الصهيوني، حتى بلغ مرحلة حاسمة في تفكيره، قطع خلالها «آخر رابطة عاطفية» تربطه مع الصهيونية، وتلت ذلك تجارب كثيرة منها تجربة ناضجة سمعها من والدته زيكا، التي أشربته معاني السمو صغيراً برفضها سلوك «إسرائيل» ضد الفلسطينيين، بل وشعورها بالعار إزاء ما ترتكبه من جرائم عنصرية وحشية.
ولم يتورع ميكو بيليد، عن فضح الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة، ويقول أن الدولة العبرية تكذب على نفسها والعالم، لأنها تحلّل ممارسة الديمقراطية فقط على شعب الله المختار (شعب إسرائيل) وتحرّمها على الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والقضية.
وأضاف بيليد أن الغرب والولايات المتحدة و»إسرائيل» يشتركون معاً في محاصرة الديمقراطية ومنع ظهورها في أية دولة عربية، لأن وجودها يمكن أن يشكل خطراً داهماً على وجود الدولة العبرية. وطالب بيليد الاسرائيليين والفلسطينيين بالعمل معاً على تشييد معالم دولة ديمقراطية واحدة تتسع لجميع الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، لأنه أصبح واضحاً بالنسبة له أن الصهاينة يكذبون عندما يتحدثون عن حل الدولتين، لأنهم فشلوا في أن يبرهنوا على أن الأمور تسير بشكل طبيعي عندما يتربعون على سدة الحكم. واعتبر السلطة الفلسطينية الحالية بقيادة عباس، سلطة ضعيفة وعاجزة عن تنفيذ مهامها الواقعية الجوهرية، وهي بالتالي تبقى خاضعةً للجيش الاسرائيلي، يتصرف بكل مهامها وسياساتها وأوضاعها وقتما يشاء ويرغب، وهي بالتالي لا تمثل الشعب الفلسطيني برمته، وإذا كان من يحق له اليوم تمثيل الشعب الفلسطيني بكل تياراته وفئاته وشرائحه ومنظماته وفصائله، فهي فقط حكومة حماس.
وأخيراً، اعتبر بيليد أن أهمية الكتاب الذي أصدره (ابن الجنرال)، والذي بيعت منه كميات جيدة في مراحل سابقة وخلال الندوة، تكمن في كونه يمثّل مناسبةً جيّدةً لتأسيس تاريخ مشترك وتعاون جدّي بين الشعوب في مختلف قضايا الخير والوئام والسلام والإنسانية.