من ينتشل أطفال الشوارع من الجحيم؟
كشف تقرير الأمم المتحدة السنوي للعام 2013 حول الأطفال في الصراعات المسلحة وغيرها، عن حالات مهولة من الانتهاكات والفقر والاضطهاد والظلم الاجتماعي يتعرض لها الأطفال القصر في عموم الوطن العربي، ولاسيما في البلدان الفقيرة والتي تتعرض للاضطرابات والحروب، حيث يتم تجنيد الكثيرين منهم واستخدامهم كوقود في الحروب الأهلية وتشويههم جسدياً ونفسياً من خلال تعرضهم للعنف الجنسي والتشرد والقتل، أو الاندفاع دفعاً لممارسة الأعمال والمهن الشاقة والخطيرة التي لا تتناسب بالمطلق مع أعمارهم الصغيرة والواعدة، تتمثل في عمليات السطو والنهب والسرقات والاتجار بالمخدرات في حين تتعرض الفتيات منهم إلى الاغتصاب، ما ينذر بمخاطر كبيرة على حياتهم وأحلام طفولتهم والمستقبل، في غياب السياسات والبرامج الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والصحية المعقولة والجدية.
في استعراض سريع على تفاقم مشكلات الأطفال في عدد من عواصم الدول العربية تظهر عدة حقائق مخيفة عن حياة ملايين الأطفال الذين يعيشون حياة الطفولة المعذبة من دون مأوى حقيقي والمشردين في الشوارع والعاملين في المهن الصعبة والخطيرة التي لا تتناسب بالمطلق مع أعمارهم والذين يجري استغلالهم جنسياً، في ظل عجز الحكومات العربية الرسمية عن وضع الحلول الملحة والكفيلة بتخفيف وطأة كل هذه الظواهر السيئة أو استئصالها من جذورها.
أشارت دراسات اجتماعية حديثة في المغرب حول ظاهرة أطفال الشوارع، إلى وجود أكثر من 30 ألف طفل وطفلة يعيشون مشردين في شوارع المدن المغربية وسط أوضاع مؤلمة من الجوع والاعتداءات الجنسية المتكررة التي يتعرضون إليها.
وتضيف الدراسات، أن التشغيل المبكر للأطفال يدفعهم دفعاً باتجاه الشارع وتحويله لفضاء عيش دائم، حيث إن هناك أكثر من 15 في المئة من الأطفال المشتغلين في سن مبكرة قد تحولوا إلى أطفال شوارع.
وفي تونس تفيد الدراسات، بأن ظاهرة أطفال الشوارع أخذت تشق طريقها نحو التفشي الصارخ واللافت للنظر في صلب المجتمع التونسي، فهناك نسبة هائلة من الأطفال القصر الذين يجدهم المرء يجوبون الشوارع بحثاً عن العمل الشاق من أجل توفير لقمة الخبز لهم ولعائلاتهم.
وتضيف، أن سوسة الفقر والعوز المادي قد فتحت الأبواب على مصراعيها لكي تنخرط هذه الفئات البريئة إلى ممارسة بعض الرذائل، التي تحول مسارات طفولتهم الواعدة إلى إخفاقات مرحلية تنطلق بانقطاع مبكر عن مقاعد الدراسة، ثم الانزلاق بشكل تدريجي في مختلف مجالات الجريمة والإدمان على أنواع المحرمات.
ويقول المراقبون، إنه على رغم التشريعات التقدمية المدافعة عن حقوق الأطفال في تونس، فإن الدولة التونسية مازالت تتجاهل ظاهرة أطفال الشوارع التي ما برحت تتزايد بشكل مذهل.
وتتحدث الدراسات الاجتماعية في الجزائر، عن آلاف الأطفال المشردين، الذين صاروا يفرضون واقعهم داخل المجتمع كظاهرة حقيقية ملفتة، والذين باتوا يجوبون في الصباح والمساء شوارع العاصمة الجزائرية، وكل طفل منهم يحمل في جعبته حكاية خاصة وشجوناً وعذابات، في وقت لاتزال فيه السلطات الجزائرية الرسمية عاجزة عن حماية هذه الشريحة الهشة في المجتمع، ففي مختلف المناطق الراقية في العاصمة الجزائر يصادف المرء أطفالاً يتسولون وآخرين يتعاطون المخدرات بأنواعها المختلفة ويمارسون عمليات السطو والسرقات، وأن غالبية هذه الشريحة يأتون من مختلف المناطق الفقيرة والأرياف والقرى النائية والمهمشة.
وقدرت دراسات أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في جمهورية مصر العربية عدد أطفال الشوارع بنحو مليوني طفل في وقت يقدر فيه المجلس القومي للأمومة والطفولة العدد بعشرات الآلاف.
وتؤكد بعض الدراسات على أن أعداد أطفال الشوارع في مصر قد تضاعفت بشكل ملفت خلال السنوات الثلاث الماضية، وأنه على رغم الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني المصرية في مواجهة تداعيات هذه الظاهرة، فإن الدولة الرسمية هي المسئول الأول والأخير عن معالجتها مما يحتم عليها تغيير طرق تعاملها مع تلك الظاهرة الخطيرة.
وتفاقمت بشكل خطير مشكلة أطفال الشوارع في سورية، حيث شهدت السنوات الأخيرة في ظل الحرب، تدفق أعداد هائلة من الأطفال المحتاجين والمعوزين على مختلف شوارع وأرصفة المدن والمناطق السورية، حيث لا تكاد هذه الظاهرة بحسب التقارير الوطنية والدولية تغيب عن أي شارع أو حي أو منطقة في سورية نتيجة تداعيات الأزمة والحرب الدامية التي تعصف بالبلاد، حيث انشغال الدولة الرسمية بالأمور العسكرية والأمنية وعدم اهتمامها بمعالجة هذه الظاهرة زاد من تفشيها واتساعها، مما نتج عنها حرمان شريحة كبيرة من الأطفال من إشباع حاجاتهم الاجتماعية والنفسية والمعنوية والعاطفية وفرضت عليهم العزلة عن المجتمع تحت وطأة الظروف الغذائية والصحية السيئة للغاية، التي تعرضهم دائماً للاستغلال الجسدي والنفسي.
وتحدثت دراسات وطنية وأخرى صادرة عن منظمة اليونسيف، أن أعمال العنف المسلحة وفقدان الأمن والاستقرار في العراق بعد التحرير نتيجة تفشي الإرهاب والطائفية والقتل على الهوية خلف أعداداً هائلة من الأيتام والأرامل وكانت كل هذه الأمور سبباً مباشراً من أسباب ارتفاع نسبة أطفال الشوارع الذي بلغ بحسب المصادر الحقوقية بنحو 5 ملايين طفل مشرد في عموم العراق، بعد أن فقد جميع هؤلاء معيلهم من جانب والضعف الاقتصادي للعائلات ودفعت بهم الأقدار لممارسة المهن الصعبة والشاقة والتسول وممارسة بعض الرذائل المدمومة من أجل توفير كسرة الخبز، وبالتالي التخلف عن متابعة التعليم في المدارس والوقوع في شباك الإجرام ومافيا المخدرات والدعارة والاغتصاب وتجارة الأعضاء البشرية في غياب القوانين والإجراءات الرادعة للحد من تفاقم وانتشار هذه الظاهرة الخطيرة من قبل أجهزة الدولة العراقية المركزية.
ولاشك بأن هناك دولاً عربية أخرى عديدة تتوافر فيها الإمكانات والفرص الاجتماعية والاقتصادية الضخمة، ولكن تملأ بعض شوارعها مجاميع الأطفال المحتاجين الذين يصارعون من أجل البقاء في الحياة بالبحث عن لقمة العيش، تنتهج سياسات مخالفة للقوانين والتشريعات الوطنية والدولية المعنية بحقوق الأطفال، وتترك الحبل على الغارب في هذا الشأن، من دون أية مبالاة واضحة بالمصير المحتوم لهذه الشريحة البريئة في المجتمع.