حجب «الحقوق الزوجية» من أجل السلام والحرية

بعدما أصبحت الحرب الطاحنة في دولة جنوب السودان كارثية بامتياز، وبعدما تعسّرت مخارج الحلول الجوهرية لوقف نزيف الدماء والخراب والدمار والتهجير، في دولةٍ نالت استقلالها حديثاً بعد عقود طويلة من حروب التحرير، وكان قادة الاستقلال، يحلمون بمستقبل سياسي واجتماعي واقتصادي أفضل، لم يكن هناك من بدٍّ لمواجهة تنامي مظاهر الصراع والحرب الدموية الضروس، سوى أن تتفتق في دهن النساء الناشطات في مجال السلام وحقوق الإنسان في هذه الدولة الفقيرة، أفكار نشر الدعوة الشاملة لكل نساء جنوب السودان من أجل امتناعهن عن مضاجعة أزواجهن بهدف لفت أنظار المجتمع في عموم البلاد، إلى أهمية هذه الخطوة الجريئة، التي تهدف إلى إيقاف الحرب الأهلية الكارثية.

عدد كبير من ناشطات السلام بلغ قرابة 90 امرأة من بينهن محاميات وعضوات برلمان، اجتمعن في عاصمة دولة جنوب السودان (جوبا)، من أجل مناقشة ودراسة كافة الحلول الموجبة، التي يمكن أن تتصدى بقوة لتداعيات الحرب الدامية المؤلمة، التي عصفت بالبلاد على امتداد عشرة شهور مضت، وإيجاد حوافز مهمة من شأنها أن تفتح الطريق لمصالحة وطنية، وإحلال السلام والوئام والاستقرار، كما جاء في بيان صادر عن الناشطات في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، ومن بينها توجيه دعوة شاملة لجميع النساء في الدولة لتنفيذ عمل احتجاجي يتمثل في «الاضراب» عن ممارسة العلاقة الجنسية مع الأزواج، وذلك من أجل منع تكرار عمليات الاستغلال الجنسي ضد النساء والأطفال، التي بلغت مستوى لا يُطاق في مختلف مناطق النزاع، ومحاولات إجبار كافة القوى المشاركة في الحرب على وقف القتال وهدير المعارك فوراً، والتوجه لساحات العمل الوطني الذي يخدم حياة الدولة والمجتمع، ويكرّس ويصون أواصر ومقومات الوحدة الوطنية، التي مزّقتها حرب دامية بين «الأخوة الأعداء» على مواقع هرم الدولة الرسمية والمصالح الشخصية والامتيازات.

ويذكر أن دولة جنوب السودان، قد نالت استقلالها عن جمهورية السودان بموجب استفتاء شعبي عام شاركت فيه الغالبية الساحقة من المواطنين، وأعلنت نتائجه النهائية في أواخر شهر فبراير/ شباط 2011 فيما تم الإعلان رسمياً عن الاستقلال الكامل للدولة في 9 يوليو/ تموز 2011، قد شهدت منذ ديسمبر/ كانون الأول 2013 حرباً دموية طاحنة بين قوتين رئيسيتين في داخل الحكومة المركزية، الأولى بقيادة رئيس الدولة سلفاكير ميارديت والثانية يقودها نائبه السابق رياك مشار، تسببت في موت عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء، ونزوح قرابة مليوني إنسان عن مدنهم ومناطقهم وقراهم، إضافةً إلى كل ما تركته تداعياتها من فظائع وأهوال ودمار وخراب، لحق بمختلف مقومات البنية التحتية لهذه الدولة الفتية، التي تبلغ مساحتها أكثر من 648 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ سكانها قرابة 8.2 ملايين نسمة من أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية، وتخالطهم بضع أقليات إثنية، وتمتاز بعض مدنها ومناطقها بثروة نفطية ومعدنية كبيرة وموارد طبيعية متعددة ومساحات شاسعة صالحة للزراعة.

وفشلت كافة مساعي السلام والمصالحة الوطنية، التي عرضتها الهيئة الحكومية العليا للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيجاد) من أجل إيقاف الحرب الدامية، كما لم تنجح كافة التهديدات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ضد المشاركين في الحرب بتعرضهم لعقوبات قاسية للغاية، إذ لم يتمكنوا من وضع حد ينهي الحرب.

وتحدثت بيانات الأمم المتحدة عن أزمة مجاعة كبيرة تشهدها دولة جنوب السودان وصفت بأنها «الأسوأ من نوعها في العالم»، حيث لايزال هناك قرابة 4 ملايين إنسان يكابدون من أجل الحصول على كسرة الخبز.

وفي السياق نفسه أكدت المسئولة عن توثيق حالات العنف الجنسي في النزاعات المسلحة في منظمة الأمم المتحدة، زينب هاوا بانجورا، أن جميع الأطراف المشاركة في الحرب الأهلية ترتكب جرائم الاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي بشكل واسع النطاق، وذلك بإعطاء الأوامر والتوجيهات إلى العسكريين بارتكاب هذه العمليات على أسس إثنية، وروت قصصاً مفجعة عن عمليات الاغتصاب الجماعي والخطف والاستعباد الجنسي والزواج القسري. وأضافت أن النازحين في جميع مناطق الصراع يواجهون انعدام الأمن والاستقرار في ظروف معيشية صعبة وقاسية لا يمكن تصورها، وقلقاً ومخاوف كبيرة تتعلق بمختلف القضايا الأمنية.

Loading