ربع قرن على انهيار جدار برلين… وماذا تحقق؟

احتفلت ألمانيا، على المستويين الرسمي والشعبي في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، بذكرى مرور 25 عاماً على انهيار جدار برلين العملاق، الذي أقدمت قيادة جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) في 13 أغسطس/ آب 1961 على تشييده، والتسبب في إغلاق الحدود بين شرق برلين وغربها، وكان بمثابة الستار الحديدي، الذي قسم ألمانيا التاريخية وأوروبا طوال سنوات حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الامبريالي والاشتراكي (الشيوعي).

الاحتفال الرسمي والشعبي، الذي أقيم في العاصمة برلين، لتخليد ذكرى هذا الحدث التاريخي المهيب، شارك فيه كبار الزعماء والسياسيين الألمان، تتقدمهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إضافةً إلى العديد من أعضاء السلك الدبلوماسي وقادة سياسيين من أوروبا ودول العالم، ومن بينهم الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف (83 عاماً) الذي لعب مع المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول الملقب بـ «مستشار الوحدة الألمانية»، دور العرّاب في عملية توحيد ألمانيا، بعد قيامه بإصلاحات شاملة في مختلف البُنى الأساسية داخل الاتحاد السوفياتي، وإلغائه لبند التدخل العسكري السوفياتي المباشر لحماية دول المعسكر الاشتراكي المكرّس في الدستور السوفياتي، وبناء جسور العلاقات الودية والتعاون الاقتصادي مع المعسكر الامبريالي. وكان هناك قرابة مليوني زائر من أنحاء ألمانيا والعالم حضروا للمشاركة في إحياء هذه الاحتفالات، التي شملت عروضاً فنية لمشاهير الغناء والفن الألمان.

وأمام الحشود الكبيرة التي شهدت مراسم الاحتفال، تحدث كبار الساسة في الدولة الألمانية، وفي طليعتهم المستشارة ميركل، التي رعت الاحتفالات، وقالت في كلمتها بأن «التعطش الذي يتعذّر كبحه للحرية، هو الذي أسقط الجدار الرهيب»، وأن سقوطه يعد بمثابة «رسالة أمل لكل مناطق الأزمات والنزاعات في أنحاء العالم»، وأنه «يمكن أن تتحول الأحلام إلى حقيقة قائمة، ولا شيء يبقى كما هو»، موضحة «أنه بعد هذا الذي حدث يمكن أن تسقط أسوار أخرى، أسوار الدكتاتورية والعنف والعداوات والايديولوجيات» المنتشرة على امتداد الكرة الأرضية.

كما تحدثت ميركل عن أهمية الدور الذي لعبته ألمانيا الاتحادية لكسر طوق الجدار الصلب، الذي قسّم البلاد وأوروبا قبل الوحدة الألمانية، والصعوبات التي واجهت الدولة الألمانية الرسمية، بصدد إعادة بناء وتطوير البنى التحتية لمختلف المقاطعات الألمانية الشرقية، التي ظلت تعاني من ضعف مقومات البناء الأساسي والاقتصاد الموجّه، طوال حقبة الحكم الشيوعي الشمولي.

وافتتح عمدة برلين السابق كلاوس فوفرايت بمشاركة وزيرة الثقافة الألمانية مونيكا جروترز ومسئولين كبار في الدولة، المهرجان الاحتفالي التاريخي، بتثبيت 8000 بالون مضيء على امتداد مساحة 15 كيلومتراً كرمز يجسد مسار الجدار القديم، الذي قسّم برلين.

وبعد سقوط الجدار، الذي أصبح بمثابة رمز الحرب الباردة السابقة، وطوّق برلين الغربية كلها وحدود جميع المقاطعات الألمانية الشرقية مع المناطق الغربية، بهدف وقف موجات النزوح الجماعي، وحاول أن يقطع صلة القرابة والرحم بين المواطنين في شرق البلاد وغربها، وتسبب في مصرع أعداد كبيرة من الألمان الشرقيين الذين حاولوا الفرار إلى الغرب، في ذروة الاحتجاجات الشعبية التي عصفت بالبلاد، وانتهت تداعياتها في 9 نوفمبر 1989، وعد السياسيون الألمان بالعمل على تنمية كافة المقاطعات الشرقية وتطوير بنيتها الاقتصادية، ولكن بعد مرور ربع قرن على إطلاق تلك الوعود، مازالت جميع المقاطعات الشرقية تعاني من ضعف ملحوظ في مستوى النمو الاقتصادي والركود الصناعي وانهيار أسعار العقارات وارتفاع معدلات غلاء المعيشة وخصوصاً أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية التي كان يوفّرها النظام الشيوعي السابق بأسعار رمزية بسيطة، وتزايد مستويات البطالة والتمييز في صرف الرواتب للموظّفين والعمال بين شرق البلاد وغربها، وبقاء السلوك المتعالي للألمان الغربيين تجاه أشقائهم من المقاطعات الشرقية، وعدم الاهتمام المطلوب بحياتهم وتراثهم وتاريخهم، حيث لايزال أكثر من 14 في المئة منهم يعتبرون شرق ألمانيا يختلف اختلافاً واضحاً عن كل ما هو موجود في الشطر الغربي، ما تسبب بانعكاسات سلبية واضحة على العائلات الألمانية الشرقية، خصوصاً في المناطق الريفية والمدن الصغيرة التي لاتزال فيها معظم الخدمات مهملة حتى الآن.

وبحسب الباحث في علوم الاقتصاد والأستاذ في معهد الأبحاث الاقتصادية، الألماني أكسل ليندنر «أن ولايات شرق ألمانيا تتأثر بشكل أكبر بمستويات ضعف النمو الاقتصادي في العالم مقارنةً بولايات غرب ألمانيا». ويضيف الباحث أن «القاعدة الصناعية في شرق ألمانيا انهارت بشكل سريع بعد الوحدة، حيث لم تعد الصناعات في شرق البلاد، خلال كل تلك الفترة، قادرة على منافسة الصناعات المتطورة في الغرب».

ويقول الألمان من دافعي الضرائب، أن أموال «الضريبة التضامنية» المخصّصة لتطوير مقاطعات شرقي البلاد، التي تقتطع من رواتبهم الشهرية لم تصل إلى الهدف المرجو، حيث لاتزال البنى التحتية ضعيفة ومشوهة في الشرق، وهي تعكس في الواقع عدم مبالاة المسئولين الألمان بأوضاع الناس في مختلف المقاطعات الشرقية، وهو الأمر الذي استفز مشاعر الفقراء الألمان، الذين لم يفرحوا كثيراً باحتفالات هذا الحدث التاريخي الكبير، التي توجت به نهاية الثورة السلمية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة، وحقّق أحلام الوحدة الاندماجية الحقيقية والفعلية، التي ظل ينشدها كل مواطن ألماني طوال سنوات ما قبل الوحدة وسقوط الجدار.

Loading