اخرسي يا امرأة

«اخرسي يا امرأة» هذا هو عنوان الفيلم الوثائقي، الذي عرضته قناة «ذي آر2» التابعة لمجموعة راديو وتلفزيون الدنمارك أخيراً، والذي كان يسلط الضوء على مستويات الأمن والسلامة، التي يتمتع بها كبار السياسيين والشخصيات المرموقة في الدنمارك، وسلسلة الضغوط المعنوية والنفسية والتهديدات بالعنف والتحرش الجنسي، التي تتعرض لها النساء الجميلات العاملات في المجال السياسي العام في البلاد، عبر محاولات اختراق مواقعهن الإلكترونية وتشويه محتوياتها وتخريبها. وهذا الفيلم يعتبر أحد أبرز الأفلام الوثائقية المميزة في الدنمارك، التي انتشرت في خلال السنوات الأخيرة، ومن أكثرها تشويقاً وإقبالاً على المشاهدة الجماهيرية الواسعة.

وهناك مجاميع كبيرة من النساء الفاتنات العاملات في المجال السياسي، تظل تصلهن رسائل التهديد والوعيد والتحرش الجنسي، بشكل شبه يومي تقريباً على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ومن أبرزهن على الإطلاق العضو البارز في حزب القائمة الموحدة (المظلة التي تجمع أحزاب وتيارات وشخصيات اليسار التقدمي وبقايا رموز الشيوعية التقليدية كافة) يوهاني سميث نيلسن، حيث لا ينقطع عن بريدها الإكتروني أو عبر موقعها في «تويتر» وصفحتها في «الفيسبوك»، سيل من رسائل التحرشات الجنسية، والتي هي عبارة عن تهديدات غير مباشرة بالاغتصاب والمطاردة المعنوية.

ولم تكن رئيسة وزراء الدنمارك هيلي توننغ سميث المعروفة بجمالها المغري، بعيدة عن مشهد هذه التحرشات، فهي تتلقى في بعض الأحيان على بريدها الإكتروني أو من خلال موقعها في «الفيسبوك» مثل هذه الرسائل المرذولة، وبخاصة خلال الفترة التي انتشرت فيها سلسلة الصور التي أخذتها لنفسها بواسطة عدسة الهاتف النقال (سيلفي) وهي منشرحة ومنتشية وتمازح الرئيس الأميركي باراك أوباما، على مرأى من زوجته وأكثر من 85 ألف شخص شاركوا في حفل تأبين المناضل الأممي ورئيس دولة جنوب إفريقيا الراحل نيلسون مانديلا.

وفي استطلاع خاص للرأي أجراه قسم الأخبار في قناة راديو الدنمارك، حول تزايد ثقافة التحرش واستخدام الهجمات التعسفية المهينة وتزايد أعمال القرصنة على الإنترنت الموجهة ضد قادة البلاد السياسيين ولاسيما النساء الجميلات العاملات في هذا المضمار، أجاب 17 من مجموع 74 شخصية سياسية ممن شملهم الاستطلاع، بأنهم تعرضوا لعمليات قرصنة إلكترونية تنوعت بين رسائل الكراهية والتعصب والتهديد بالقتل وبين محاولات التحرش وعمليات الاغتصاب الجنسي، وأصبحت في نظر الغالبية منهم بمثابة الكابوس الثقيل الذي يبقى جاثماً على صدورهم، الأمر الذي اعتبره الكثيرون «تعدياً صارخاً على حريات الغير، وإهانة لبعض رموز الدولة والمجتمع.

ويقول خبراء أمن تكنولوجيا المعلومات في الدنمارك، إن وجود مثل هذه المحاولات المسيئة، أصبح بمثابة «الأمر الواقع» بالنسبة لكل الشخصيات السياسية البارزة والمشهورة، التي ينظر إليها بأنها ربما هي وحدها، التي تظل تتمتع بنفوذ ومكانة رفيعة في المجتمع، ما يجعلها بالتالي أن تكون أكثر عرضة من غيرها لمواجهة مثل هذه الممارسات المسيئة. ولكنه على رغم ذلك، فإن مستويات الأمن والسلامة، التي يحظى بها كل هؤلاء القادة لا تفوق تلك التي يتمتع بها المواطن الدنماركي العادي، حيث إن القانون لا يميز بين من هم في قمة الهرم وبين من هم في قاع المجتمع، فكل فرد من هؤلاء في مجتمع الشفافية والعدالة الاجتماعية وحكم القانون يساوي الآخر. ربما بسبب أن القانون يحمي الجميع، ولا يفرق بين عامة الناس والنخب الحاكمة، فالمجتمع الدنماركي يتمتع بأعلى درجات الاستقرار والسلم الأهليين.

Loading