محنة الصحافيين
كلما اشتدت وطأة الحروب والنزاعات المسلحة في مختلف مناطق العالم، تزداد المخاطر القاتلة، التي تواجه المراسلين الصحافيين والمصورين والمخبرين والإعلاميين الذين يعملون بكل شجاعة على تغطية الحوادث اليومية المشتعلة في ساحات الحروب والنزاعات والاضطرابات.
منظمة «مراسلون بلا حدود» المعنية بأوضاع الصحافيين حول العالم، أعلنت في تقريرها الأخير للعام 2014، أنها لاتزال تشعر ببالغ القلق من استمرار المخاطر المحدقة بالصحافيين في مناطق الحروب والنزاعات المسلحة، التي تجتاح مناطق عديدة على سطح الكرة الأرضية، حيث اتسمت بوحشية بالغة خلال العام 2014، نتيجة الهجمات اليومية التي تشنها المجموعات الإرهابية المسلحة ضد المراسلين الصحافيين والمخبرين والمصورين والإعلاميين، الذين يقومون بمهمات نبيلة في ميدان المهنة، وينقلون الحقائق القائمة على الأرض إلى الرأي العام والجماهير عبر رصد وقائعها أو انتقادها أو إظهار عيوبها.
واستناداً إلى هذا التقرير، الذي أشار إلى قلق المنظمة الدولية إزاء كل ما يتعرض له الصحافيين من انتهاكات صارخة لخصوصياتهم المهنية أو محاولات اختطافهم أو تعذيبهم أو تصفيتهم جسدياً، فإنه خلال العام 2014 قتل أكثر من 66 صحافياً خلال تأدية عملهم الصحافي، في مختلف مناطق التوتر في العالم، وتعرّض اثنان منهم أو أكثر إلى قطع الرأس بصورة وحشية همجية.
وعلى رغم التراجع الطفيف، في أرقام حوادث القتل والاختطافات والاعتداءات الجسدية على الصحافيين والمصورين على مدى العام 2013، فإن العام 2014 شهد زيادةً ملحوظةً في مثل هذه الحوادث المؤسفة، بلغت أكثر من 199 حالة اختطاف صاحبتها عمليات تعذيب نفسي وجسدي بين المراسلين والمصوّرين، بزيادة تقدر بنحو 37 في المئة عن حوادث العام الماضي.
وشدّد تقرير المنظمة الدولية، على ضرورة أن يتوخى جميع العاملين في مجالات الإعلام، الحذر والحيطة أثناء ممارستهم للمهنة، حيث يتوقع دائماً تعرّضهم لعمليات الاختطاف أو القتل، وفي الوقت نفسه أعربت المنظمة عن أملها في أن تتطوّر جهود المجتمع الدولي برمته في اتجاه تخفيف التوترات وتعزيز الأمن والسلام والاستقرار في مختلف بقاع العالم.
وفي السياق نفسه، جاء في التقرير السنوي الأخير الذي نشر في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2014 عن حرية الصحافة، أن استمرار التهديدات بالعنف وتزايد معدلات عمليات قتل واختطاف الصحافيين، أجبر العديد من الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام، على الهروب خارج بلدانهم بحثاً عن الأمن والاستقرار. وأشار التقرير إلى أن ثلثي عمليات القتل التي تعرض لها الصحافيون حدثت في مناطق الحروب والنزاعات وفي مقدمتها سورية، التي حافظت على موقعها المتقدم كأخطر بلد في العالم على الصحافيين، حيث قُتل في أراضيها أكثر من 15 صحافياً على مدى سنوات الحرب القائمة هناك، وتليها الاراضي الفلسطينية المحتلة وخصوصا في قطاع غزة التي قتل فيها 7 صحافيين؛ ثم شرق أوكرانيا (6 قتلى)، والعراق (4 قتلى)، وأخيراً ليبيا (4 قتلى) نتيجة تطورات وطأة الحرب الأهلية الدموية.
وفي الوقت الذي بلغت حملات المنظمات الإنسانية والحقوقية والإعلامية الدولية الداعية لبذل قصارى الجهود لمنع أعمال العنف ونزيف الدماء ضد الصحافيين وجميع العاملين في ميادين الإعلام، وتنفيذ تدابير كفيلة بمكافحة ثقافة الإفلات من العقاب المتفشية حالياً في العديد من بلدان العالم، تبذل مختلف حكومات الدول العربية والاسلامية، جهوداً جبارة في سبيل تبرئة نفسها من سيول الدماء البريئة، التي لاتزال تراق على أراضيها بواسطة عمليات العنف المستمرة بصورة منهجية، التي تمارسها كافة المنظمات (الإسلامية) التكفيرية الإرهابية، التي تزعم دائماً بأنها «تجاهد» في سبيل مرضاة الله، وإعلاء مقام دين الاسلام وتأسيس دولة الخلافة الراشدة المنشودة، بعد تحرير كافة المجتمعات الإسلامية من قبضة حكومات الملحدين والمشركين والكفار، والتي قد تكون لها مضاعفات خطيرة على الشعوب العربية والإسلامية، التي بدأت تحلم خلال سنوات ما سُمي بـ «ثورات الربيع العربي»، بإشراقة عصر جديد مزدهر بكل قيم ومفاهيم الحياة الديمقراطية الواقعية، ونيل الكرامة الإنسانية والأمن والسلام والاستقرار.