رحلات «الموت» إلى أرض الأحلام

تتحدث بيانات ودراسات منظمات غوث اللاجئين والمهاجرين الدولية بشكل يومي، عن أرقام ونماذج مؤثرة تتعلق بمختلف رحلات «الموت» إلى أرض الأحلام في أوروبا، التي لايزال بريقها الاقتصادي والمعنوي، يستقطب أعداداً هائلة من المهاجرين غير الشرعيين، الذين يظلون يقطعون مسافات وبرازخ شاسعة وبعيدة جداً، قد تمتد ببعضهم إلى قضاء أيام وليال طويلة وربما بضعة شهور صعبة، يحاول خلالها المرء عبور البحار والأنهار، على متن قوارب متهالكة ومكتظة بالعديد من الأشخاص، أو عبر متاهات طرق اختراق الغابات الوعرة والموحشة، أملاً في الحصول على رغد العيش الآمن والمستقر، ومختلف فرص الحياة الأفضل والمرفهة في نطاق النموذج الاجتماعي والاقتصادي الغربي.

منذ مئات السنين، يلجأ العديد من الناس في مختلف مناطق العالم، للهروب من مخاطر الحروب والنزاعات المسلحة والاضطرابات أو وسائل البطش، التي تستخدمها بعض الأنظمة السياسية الاستبدادية، ضد المعارضين والمناوئين، أو لأسباب أخرى تتعلق بالحرمان من الحقوق أو الفقر المدقع، ويدفعون من خلال ذلك أثماناً باهظة بهدف الوصول إلى حلم السعادة المنشودة في الجنة الأوروبية.

ولكن خلال العقود الأخيرة، توسعت وتعقدت رحلات «الموت المؤلمة والمخيفة»، والتي لم تعد تقتصر فقط على الفقراء والمسحوقين والمعارضين للأنظمة السياسية القمعية، بل أيضاً على بعض الطبقات الميسورة الحالمة بالثراء السريع والحياة الاجتماعية السعيدة والمضمونة. وتوسعت وتعقدت معها وسائل المنع المتعددة وأصول وفروع القوانين والإجراءات الوطنية والإقليمية والقارية والدولية، ومختلف مظاهر الابتزاز والاستغلال النفعي والجشع الاقتصادي المخيف، الذي باتت تمارسه عصابات مافيا التهريب في كل مكان في العالم، ضاربةً بعرض الحائط كافة القيم والمفاهيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية العصرية.

وعلى الرغم من أن هناك حوالي 139 دولة من أنحاء العالم، أعلنت انضمامها منذ وقت سابق، إلى اتفاقية مكافحة تهريب المهاجرين والتوقيع على البروتوكولات الخاصة بها، إلا أن العديد من هذه الدول لايزال يعاني الأمرّين من وطأة تنامي موجات الهجرة غير الشرعية وانتهاك الحدود الإقليمية والقارية والدولية. حيث يستغل المهربون فوضى الحروب والنزاعات والاضطرابات والحالات المزرية، التي يعيشها الناس في مختلف مناطق الحروب والاضطرابات، لابتزاز حاجة الراغبين للهروب من بلدانهم، بفرض شروط اقتصادية مجحفة وباهظة الثمن للغاية، والتي من شأنها أن تثقل كواهلهم الضعيفة أصلاً من جراء معاناتهم الحياتية اليومية في ظل هذه الحروب والنزاعات والمجاعات.

وقد كشفت مصادر بعض المهاجرين غير الشرعيين، أن الرحلة الواحدة من أية منطقة من مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا، تكلّف ما بين 4500 إلى 5500 يورو في رحلات بالغة القسوة والخطورة، وتكون في غالب الأحيان غير مضمونة العواقب، في حين تكلّف الرحلات شبه المضمونة حوالي 9 آلاف يورو عن الشخص الواحد.

وفي أغلب الأوقات، قد لا يفلح العديد من المهاجرين غير الشرعيين، الذين أسعفهم الحظ في الوصول إلى الضفاف الأخرى من أرض الأحلام، في تحقيق حلمهم الكبير المنشود، فأما أنه يبقى لسنوات طويلة داخل معسكرات اللجوء في انتظار منحه حق اللجوء السياسي أو الإنساني، من سلطات البلد الذي يقيم فيه، أو أنه يتعرّض إلى محاولات إعادته إلى موطنه الأصلي رغم العواقب والمخاطر المحدقة التي يمكن أن يواجهها فيه. ويأتي معظم هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين من مناطق الحروب والنزاعات الصعبة في سورية وفلسطين وأرتيريا والصومال ومالي ونيجيريا وغامبيا.

وفي خلال الشهور الأخيرة من العام 2014، حيث شدّدت بشكل واسع النطاق، قوانين وإجراءات مراقبة الحدود في أوروبا، ضد الهجرة غير الشرعية، عبر تطبيق بنود اتفاقية «تريتون» التي بدأت منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، والتي تهدف إلى الحد من تنامي الهجرة غير الشرعية، والتي تكلّف دول الاتحاد الأوروبي برمته قرابة ثلاثة ملايين يورو شهرياً.

وقد حذّر مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في فيينا، من استمرار موجات الهجرة واللجوء المتزايدة وغير الشرعية، في عدة دول أوروبية، والتي يمكن لها ـ بحسب مكتب الأمم المتحدة ـ أن تهدّد أمن واستقرار دول العالم جميعاً، وتؤدي بالتالي إلى تنامي معدلات الجريمة والعنف.

وقد توسّع نطاق تظاهرات النشطاء الأوروبيين في مجالات حقوق الإنسان في معظم العواصم الأوروبية، ومن بينها باريس ولندن وبرلين وكوبنهاجن، المتضامنة مع محنة المهاجرين والمندّدة بممارسات حكوماتها وحكومات دول الاتحاد الأوروبي، التي لم تستطع أبداً أن تمنع وقوع المآسي، وتظل دائماً تنتهك حقوق المهاجرين غير الشرعيين، والمطالبة بتقديم العون لهم ودعمهم في محنتهم القاسية، والعمل على توفير حلول جوهرية لقضايا اللجوء والهجرة في أوروبا وحول العالم، بدلاً من تضييق الخناق عليهم وحرمانهم من بعض حقوقهم المشروعة في أعراف وقوانين الهجرة الدولية..

Loading