ماذا قال دوفيليبان عن علاقة «داعش» والغرب؟

في 10 يناير/ كانون الثاني 2015، كشف رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيليبان، في حديث متلفز لقناة «بي اف ان» الفرنسية، عن سياسات الغرب المتغطرسة تجاه الشعوب الضعيفة والمهمشة، والتي أنجبت للعالم كله من رحم تلك السياسات ـ حسب دوفيليبان- مولوداً مشوّهاً، هو «تنظيم داعش» الإرهابي، الذي مضى يحث الخطى في طريق التعصب والحروب والإرهاب، متخطياً كافة المحرّمات والخطوط الحمراء، وكذلك الكيانات السياسية والحدود الجغرافية لبعض الدول.

وقال دوفيليبان، الذي تولى رئاسة الحكومة الفرنسية في العام 2005 في عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك، إن الحروب المتوالية، التي شنها الغرب بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، ضد أفغانستان والعراق وليبيا ومالي، ساهمت بقوةٍ في زيادة أعداد «المجاهدين الإرهابيين» الذي لم يتجاوز عددهم بضعة آلاف مقاتل مبتدئ في بداية مراحل صعودهم التدريجي، في حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حتى أصبح عددهم اليوم يتجاوز ثلاثين ألف مقاتل متمرس شرس.

وأضاف دوفيليبان، إن الغرب لعب دوراً واضحاً في المآسي التي شهدتها العديد من المناطق والبلدان حول العالم من عمليات «الإرهاب الدولي»، وخصوصاً بالنسبة لتنظيم «داعش»، الذي كشف عن وجهه الحقيقي الإرهابي، والذي يبريء المسلمين من كل هذه الممارسات الإرهابية والإجرامية، من خلال مشاركتها بقوة في صناعة مختلف قضايا الإرهاب.

وطالب فيليبان، الغرب والولايات المتحدة، بالاعتراف بـ «الحقيقة المؤلمة» التي صنعتها دوائر استخباراتهم ومختلف أجهزتهم الإعلامية، وأن يتعلّموا من دروس تجربة الحرب الطاحنة، التي أغرقت أفغانستان بالدماء والدمار والفوضى. ففي العام 2001 كانت توجد في العالم «بؤرة إرهاب واحدة» مقلقة، وأما اليوم وبعد خوض عمليات عسكرية واسعة على امتداد ثلاثة عشر عاماً مضت، شملت أفغانستان والعراق وليبيا ومالي، أصبح لدى أوروبا والولايات المتحدة أكثر من 15 بؤرة إرهابية، بسبب سياساتهم المتناقضة فيما يتعلق بقضايا نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ودعم الإرهاب.

وفي حديث آخر أجرته معه صحيفة «لوموند» الفرنسية في 13 يناير2015، قال دوفيليبان إن «التدخل العسكري الفرنسي المباشر في ليبيا لإسقاط حكم العقيد معمر القذافي، ساهم بشكل واضح في كل ما وصلت إليه الأوضاع الراهنة في فرنسا». وأضاف: «الآن فقط شعرنا كيف أن بعض العمليات العسكرية هي التي بشّرت بكل ما يحدث لدينا اليوم في البلاد، حيث أن العملية العسكرية التي نفذت في الأراضي الليبية في العام 2011 والتي نجم عنها منذ ذلك الوقت تحويل ليبيا إلى (معلم إرهابي) في الصحراء». وكذلك العملية العسكرية التي نفذت في منطقة الساحل الأفريقي وخصوصاً في نطاق الأراضي النيجيرية على الحدود الدولية المتاخمة لكلٍّ من تشاد والكاميرون، حيث تمدّدت أذرع حركة «بوكو حرام» لتبسط سيطرتها ونفوذها، الاجتماعي والجغرافي، وتحكم قبضتها المتوحشة على سكان هذه المناطق.

دوفيليبان أضاف في أطروحته: «كل هذه الحروب ظلت تتناسل من أرحامها حروب أخرى، تكون في كل مرة أشد وأقوى وأكثر فظاعة من الحروب التي سبقتها، وتكون في غالبية الأحيان أشد وأكثر تعقيداً واستحالة على الاحتواء، كما أنها تظل تغذي الإرهاب بيننا، عبر وعود كثيرة توحي باجتثاثه من الجذور، ولكن الحقيقة القائمة على الأرض، هي أننا لم نتمكن حتى الآن من التغلب على (الحركات الجهادية) هنا والإرهاب هناك، إلا إذا قمنا بوضع حلول حقيقية وفعلية لكل الأزمات، التي تظل تعصف بالعالم الإسلامي برمته، والتي هي في الوقت نفسه حدودية وسياسية واجتماعية واقتصادية». إنها في حقيقة الأمر صراعات ضارية، ننزع نحو تبسيطها حين لا نرى في تشخيصها سوى العروض الإسلامية للعلة المرضية كما قال.

وقد ظلت معظم الجماعات والتنظيمات الإسلامية، التي سلكت مسلك التشدد والعنف المسلح والإرهاب، منذ التدخل العسكري السوفياتي المباشر في أفغانستان في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1979 من القرن الماضي، تعتمد لسنوات عديدة على دعم الغرب والولايات المتحدة وبعض حكومات الدول العربية والإسلامية، لمشاريعها «الجهادية الإسلامية»، وعمليات تدريبها وتمويلها وتموينها من المواد الأولية للصناعات العسكرية الحديثة، والمساعدات اللوجستية والفنية والتسهيلات الاقتصادية الضخمة. ثم بدأ عودها يشتد في مواجهة الحروب والغزوات الغربية والأميركية والدولية، التي ظلت مستعرةً بشكل واسع النطاق، منذ ذلك الوقت بذريعة مكافحة قضايا الإرهاب.

والمسألة بالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وكذلك المجتمع الدولي كله اليوم، هو أن يعرفوا ما إذا كان بوسعهم، أن يتركوا سكان المناطق الخاضعة لحكم هذا المارد الإرهابي المتغطرس، يعانون من بطشه وقتله للأبرياء وتشريده واغتصابه للنساء والأطفال باسم الشريعة الإسلامية، أم أنهم سيتحملون مسئولية أخطائهم الفاحشة التي ارتكبوها بحق الناس الأبرياء في جميع مناطق التوتر في العالم، وأن يأخذوا على عاتقهم تحمل عمليات المواجهة العسكرية بمختلف أشكالها ضد غطرسة هذا التنظيم العقائدي المتخلف، ووقف كل ممارساته العدوانية والإرهابية المجنونة.

والواقع أن الجميع يتساءل إلى متى يظل تنظيم «داعش» الإرهابي، يعبث بأرواح الناس الأبرياء وأعراضهم وممتلكاتهم في مختلف المناطق التي يسيطر عليها؟ وألم يحن الوقت كما قال رئيس الحكومة الفرنسية السابق دوفيليبان، أن تقف دول الغرب والولايات المتحدة أمام الحقيقة المؤلمة، التي شاركوا بقوة في صنعها وترويجها في أسواق الشرق الإسلامي، ويتجهوا نحو الدفاع عن مصائر الشعوب، التي لاتزال تتعرّض لمخاطر الحروب الكارثية وجنون الإرهاب، بدلاً من الوقوف موقف المتفرج على كافة انتهاكات حقوق الإنسان، وذرف دموع التماسيح على سقوط مئات الآلاف من الضحايا والقتلى والمصابين والمهجرين والمشردين والمنكوبين، بفعل تنامي موجات الحروب والكوارث والإرهاب، وغياب الديمقراطية والسلام والوئام والحريات.

Loading