الحرب ضد «أسلمة أوروبا»

ليس جديداً خروج التظاهرات الاحتجاجية العنصرية ضد الأقليات القومية والإثنية خصوصاً الإسلامية منها في ألمانيا، تلك المطالبة بطرد اللاجئين والمهاجرين المقيمين في البلاد من جميع دول العالم، والتصدي لموجات الهجرة واللجوء، التي توسعت بشكل كبير وخطير في عموم الولايات الألمانية خلال السنوات الأخيرة.

ولكن الجديد، هو ما اهتزّ له المجتمع الألماني بغالبيته الساحقة، بعد خروج أكبر تظاهرة معادية للتواجد الأجنبي في ألمانيا بعد الوحدة وسقوط الجدار الحديدي الرهيب في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، في مدينة دريسدن شرق ألمانيا، وذلك في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2014، حيث شارك فيها أكثر من 15 ألف شخص من مختلف أطياف المجتمع الألماني ضد ما وصفته «حركة أوروبيون وطنيون» (بيغيدا)، المنظمة لتظاهرات يوم الإثنين من كل أسبوع ضد «طالبي اللجوء المجرمين» و «أسلمة ألمانيا والغرب»؛ وهي تظاهرات شبه منسقة ومنظمة بفروع مترابطة في مختلف المدن والمناطق الألمانية.

ففي كل يوم إثنين، ظل يحتشد في ساحات مدينة دريسدن، آلاف الألمان، للتظاهر ضد اللاجئين والمسلمين في ألمانيا، رافعين شعارات المطالبة بترحيلهم من البلاد إلى حيث مواطنهم الأصلية، وعبارة «نحن الشعب» التي كان يهتف بها المتظاهرون المطالبون بالحريات الديمقراطية في جمهورية ألمانيا الشرقية إبان سنوات الحكم الشيوعي الشمولي، التي انطلقت قبل ربع قرن من الزمن في أرجاء هذه المدينة، التي كانت تجمع فسيفساء طلابية وعمالية من مختلف القوميات في العالم، والتي كان النظام الشيوعي الألماني قد جلبها بناءً على اتفاقيات ومعاهدات صداقة مع الحكومات والأحزاب الاشتراكية العالمية، وكذلك العمل على دفع عجلة التقدم الصناعي في ألمانيا الشرقية.

وبعد توسع هذه التظاهرات وانتشارها في العديد من المدن والمناطق الألمانية وتعميق مضامينها وشعاراتها العدائية ضد الأجانب، أدانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كل هذه التظاهرات، وحذرت الشعب الألماني برمّته من استغلال المتطرفين له، وقالت إن حق الاحتجاج والتظاهر مكفولٌ في الدستور الألماني، ولكنه لا يمكن أن يصل إلى مستوى إثارة النعرات القومية والإثنية والتشهير بالأجانب.

ومن جانبه، وصف وزير العدل الألماني هايكو ماسي، التظاهرات الاحتجاجية في مدينة دريسدن بأنها «عارٌ على ألمانيا»، حيث بدأت حركة (بيغيدا) العنصرية تجتذب في الوقت الراهن عشرات الآلاف من مختلف الأطياف السياسية والطبقات الاجتماعية الألمانية. وأوضح المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا، أن هناك مخاوف كثيرة من تزايد المواجهات بين المسلمين واليمينيين المتطرفين في ألمانيا خلال المرحلة المقبلة، بسبب تلك التطورات الخطيرة.

وقال رئيس المكتب الاتحادي هانز جورج، في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية في 16 ديسمبر 2014، «إن المكتب الاتحادي يرصد تزايداً كبيراً في أعداد السلفيين الإسلاميين، في الوقت الذي يرصد فيه تنامي قوة الأنشطة المعادية للأجانب». وأضاف: «إن ذلك الأمر يثير القلق والمخاوف، التي يمكن أن تؤدي إلى احتمال حدوث مواجهات بين الطرفين، حيث لايزال الإرهاب الإسلامي يمثل التهديد الأكبر في ألمانيا». وفي هذا الوقت بالذات، تعبر أعداد كبيرة من القوميات العرقية الأجنبية وخصوصاً الإسلامية، عن مخاوفها من ممارسات حركة «بيغيدا» التي لاتزال تنتهج سياسة التخويف من الإسلام وبعبع اللجوء والهجرة إلى ألمانيا.

كيريستن كوديتس، المتحدثة باسم مجموعة مكافحة الفاشية في البرلمان الألماني من حزب اليسار (رابع أكبر الأحزاب الألمانية في البرلمان) قالت: «من الملاحظ بشكل عام في تظاهرات دريسدن، تكاثر أعداد النازيين الألمان والجماعات المناهضة في ألمانيا، ولكن في الوقت نفسه أخذت تشهد هذه التظاهرات استقطاباً واسع النطاق من عامة الشعب الألماني».

وفي استطلاع للرأي نشرته صحيفة «بيلد» الألمانية في 18 ديسمبر 2014، أظهرت نتيجته عن نسبة تتجاوز نصف الشعب الألماني، الذين يخشون من تنامي تأثيرات الديانة الإسلامية في الحياة العامة الألمانية. وبدوره، طالب المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، السياسيين والمجتمع الألماني، برد فعل صارم لمواجهة أنشطة «بيغيدا» المناهضة للحريات، والخروج ضدها في الشارع. هكذا تتطور الأوضاع المقلقة في ألمانيا، وتتخذ ردود أفعال احتجاجية صاخبة في مختلف مناطق البلاد، والتي تأمل من خلالها القوى والحركات والتيارات العنصرية والنازية الجديدة، المتشبثة بالأصول الألمانية والأوروبية المميزة عن سائر الشعوب الأخرى في العالم، نسخ تظاهراتها وتجاربها الاحتجاجية العنصرية في عموم أوروبا، وذلك من أجل دحر ما تصفها بـ «الأجسام الغريبة» عن صلب كياناتها الاجتماعية الأصلية.

Loading