مجلس الأمن الدولي يعجز عن ردع الإرهاب

بعد عقد ونيف من تأسيس لجنة مكافحة الإرهاب الدولي، بموجب قرار من مجلس الأمن التابع للامم المتحدة، تحت الرقم 1373 في 28 سبتمبر/ أيلول 2001 بعد الهجمات الإرهابية التي هزت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر من العام نفسه، وبعد تكليف اللجنة التي تضم جميع الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن، طالبت اللجنة جميع الدول بتنفيذ عدد من التدابير والخطوات الجدية الرامية لتعزيز قدرتها القانونية والمؤسساتية من أجل التصدي للأنشطة الإرهابية في كل مكان.

ومن أبرز تلك التدابير «تجريم تمويل الإرهاب، والقيام من دون تأخير بتجميد أية أموال لأشخاص يشاركون في أعمال الإرهاب، ومنع الجماعات الإرهابية من الحصول على مختلف أشكال الدعم المالي، وعدم توفير ملاذات آمنة أو دعم أو مساندة للإرهابيين، وتبادل المعلومات مع الحكومات الأخرى عن أية جماعات تمارس أعمالاً إرهابية أو تخطّط لها، والتعاون مع الحكومات الأخرى في التحقيق في مثل تلك الأعمال واكتشافها، واعتقال المشتركين فيها وتسليمهم وتقديمهم للعدالة، وتجريم مساعدة الإرهابيين مساعدة فعلية أو معنوية في القوانين الوطنية وتقديم مخالفيها للعدالة».

وفي تقرير اللجنة للعام 2001، طُرحت 6 معايير ملزمة بشأن التدخل العسكري «أهداف عادلة، ونية سليمة، ووسيلة أخيرة، وصلاحية شرعية، ووسائل متوازنة، واحتمالات معقولة لتحقيق الأهداف». ولم يكن هناك الكثير من المفاجآت، التي تشير إلى ترجمة نصوص هذا القرار على أرض الواقع. فالكثير من الخبراء والمختصين في قضايا الإرهاب، كانوا يعتقدون بأن الحرب الدولية ضد الإرهاب، لم تأت بالنتائج المتوقعة والجدية، حيث أن التنسيق بين كل الدول لتفعيل هذا القرار بقي مجرد حبر على ورق.

لم يتم إيجاد استراتيجية دولية لتنسيق جهود الحكومات لمكافحة الإرهاب، بسبب كثرة الخلافات الداخلية بين الدول، التي تعهّدت بالقضاء عليه، ولم تكن هناك خطط ونهج شامل للمواجهة الحقيقية والفعلية مع الإرهابيين ومنع الإرهاب، رغم كافة التحذيرات والتهديدات. كما لا يوجد إجماع جدي في المحافل الدولية المعنية بتحقيق المعايير التي تبنتها اللجنة الدولية لمحاربة قضايا الإرهاب، أو على الأقل معالجة كافة الظروف المؤدية إلى انتشار بؤر وعمليات الإرهاب.

ويعتقد غالبية المراقبين الدوليين أنه منذ أواخر حقبة الستينيات من القرن الماضي، التي شهدت موجة عارمة من العمليات الإرهابية، والاغتيالات السياسية والدينية في عدة بلدان، وحتى وقت إعلان هذا القرار في 2001، تضرّر على أيدي القوى الإرهابية عشرات الآلاف من الأبرياء، ولم تستطع أجهزة مجلس الأمن الدولي وقف هذا السيل الجارف من تحديات هذه القوى، التي ظلت تعبث بمصالح وأمن الشعوب والأوطان، بقدر ما كانت فقط تهتم بإصدار بيانات التنديد والتشهير بقسوة وجسامة هذه العمليات.

ويرى هؤلاء المراقبون أن ما يقوم به مجلس الأمن من ممارسات رادعة لبعض الحالات الفاقعة والخطيرة من قضايا الإرهاب، ومحاسبة أمراء الحروب والمتسببين بإزهاق الأرواح وتدمير الأوطان، ليس أكثر من مجرد ذر الرماد في عيون الشعوب، التي تظل تعاني الأمرين من كوارث الحروب والإعتداءات والاغتيالات، لأن المشكلة في الأساس هي عدم قدرة مجلس الأمن على مواجهة فاعلة وحقيقية مع القوى الكبرى في العالم، التي يشجّع أو يدعم بعضها قضايا الإرهاب، انطلاقاً من تأمين وحماية مصالحه واهتماماته السياسية والاقتصادية والأمنية.

الإرهاب يبقى مشكلة عالمية كبيرة، لكنه يلبي على ما يبدو رغبات الكثير من الدول، التي يحدوها أمل السيطرة والهيمنة وابتزاز الحكومات والشعوب، في الوقت الذي تتغافل عن ردع جرائم الإرهاب والإرهابيين، تحت ذريعة عدم وجود انسجام وتعاون دولي لمكافحة المجاميع الإرهابية التي طوّرت خلال السنوات الأخيرة، أساليبها التقنية والإعلامية وعملياتها القتالية المتعددة.

إذاً، ومع أن مجلس الأمن لم يستطع الوفاء بالتعهدات الكثيرة التي قطعها للمجتمع الدولي، تجاه الحد من أضرار الإرهاب، الذي ظل يحصد أرواح مئات الآلاف من الأبرياء ويعبث بأمن الأوطان في أنحاء العالم، فإنه من غير المتوقع، أن ترتدع تلك الحركات الإرهابية عن ممارسة أعمالها البربرية والوحشية.

يقول أحد الخبراء في قضايا الإرهاب إنه ما لم يحدث تعاون وتنسيق دولي على أعلى المستويات ضمن مرتكزات جوهرية ونوايا صادقة ومخلصة للتخلص من كابوس الإرهاب المخيف والمقلق، الذي يسود اليوم مختلف بقاع العالم، وخصوصاً مناطق الحروب والنزاعات، فإن قرارات وإجراءات مجلس الأمن تصبح عديمة الفائدة، ويمكن أن تتكرر أعمال العنف والإرهاب بأنواعها المختلفة، كما هو الحال في العراق وسورية ومصر والصومال وأفغانستان وبلدان أفريقية وأوروبية أخرى، شهد بعضها في الفترة الأخيرة هجمات دموية على أيدي التنظيمات والعناصر المتطرفة التي تنفذ تلك الأعمال الوحشية من دون أن تجد مواجهة فعلية وحقيقية تقطع الطريق عليها، سواء عبر الردع العسكري المباشر، أو عبر توسيع حملات الدعاية الإعلامية الوطنية والدولية ضد ثقافاتها الجاهلية وعقائدها المتخلفة وممارساتها الدموية.

إن العنف والإرهاب والتسلط لدى هذه القوى الظلامية والحاقدة، واقع لا مفر منه. ونحن في ميدان تتصارع فيه مع قوى السلام والوئام والتسامح والديمقراطية والحرية، ولا حلول وسطية فيه، غير غلبة فئة ضد أخرى، وهذا ما تسعى إليه دائماً القوى الإرهابية والشريرة، عندما تجد نفسها في أوضاع تسمح لها بعبور حائط الصد الضعيف والهش، الذي تأسس بنيانه على انقسامات الدول وخلافاتها المتبادلة حول أحقية ونوعية التدخلات المباشرة في الشأن الداخلي للدول، وتحمل مسئولية الدفاع عن المثل العليا للمبادئ الإنسانية والأخلاقية والثورية في مواجهة الإرهاب الدولي والحركات الظلامية الوحشية، وخصوصاً بعد رغبة الدول الكبرى في قطع التزاماتها بالتدخلات العسكرية الجديدة في أراضي الدول الأخرى، أما بسبب الخوف من استخدام قواتها في حروب مباشرة على أراضي الغير، أو بسبب تبني الرأي العام الوطني مواقف معارضة ضد أشكال التدخلات.

هذا في الوقت الذي تستقوي هذه الحركات المتطرفة بضعف التعاون الدولي ضدها، لكي تتحوّل إلى مجاميع موحدة عالمية، وتحاول أن تمد أذرعها في كل مكان في العالم، عبر تصميمها على نشر ثقافاتها وتوجهاتها العقائدية والفكرية، التي قد تقودها إلى تشييد كياناتها المستقلة الذاتية، التي تحمل شعاراتها ومنطلقاتها وأهدافها الرامية إلى فرض نماذج دولها وحكوماتها المنشودة

Loading