شبح الجوع يطارد فقراء أوروبا
لم تعد المآسي الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، ومظاهر البحث عن كسرة الخبز، حكراً على شعوب الدول النامية والفقيرة، بل إن مراحل الكساد، التي عصفت بالدول الأوروبية الغنية، خلال سنوات الأزمة الاقتصادية العالمية، التي استمرت تداعياتها القاسية منذ العام 2008 وحتى اللحظة الحالية، أوجدت أجيالاً جديدة من الفقراء والجوعى، الذين ظلوا يكابدون ويغامرون، من أجل الحصول على لقمة العيش.
بعد بضعة أشهر فقط، من بلوغ الأزمة الاقتصادية العالمية، لأوجها الكارثية، أعلنت غالبية الدول الأوروبية الغنية، على مراحل، حالة التقشف وتقليص الإنفاق العام، في الوقت الذي ارتفعت أسعار العديد من المواد الاستهلاكية الضرورية، بشكل لم يسبق له مثيل بعد الحرب العالمية الثانية المشئومة، مع تزايد معدلات البطالة، وضعف موازنات تغطية الضمان الصحي والتقاعد، وفرض الإجراءات الضريبية العالية على الفئات المتوسطة والفقيرة.
وينتشر في أنحاء القارة الأوروبية، التي تتمتع بطاقة اقتصادية هائلة، أعداد هائلة من الفقراء والجوعى، الذين يتسولون على أرصفة شوارع المدن، ويقفون في طوابير طويلة بشكل يومي تقريباً، على أبواب المؤسسات الاجتماعية والإنسانية والخيرية، باحثين عن بعض وجبات الغذاء السريعة، التي قد تسد رمق جوعهم، في حين تذهب ملايين الأطنان من مواد السلع الاستهلاكية الفاسدة، إلى صناديق القمامة، أو يتم رميها في أعماق البحر.
ويلقى عشرات الأشخاص حتفهم نتيجة أمراض ناجمة عن نقص التغذية الطبيعية الجيدة، بسبب الفقر الذي تعاني منه الطبقات المسحوقة في بعض دول القارة الأوروبية، مثل رومانيا وبلغاريا وإيطاليا واليونان وأسبانيا والبرتغال، وفقاً لبعض تقارير مفوضية الإتحاد الأوروبي، التي تتناول بحث سبل التنمية البشرية، وهو ما يعتبره العديد من المراقبين في الشأن الاقتصادي الأوروبي، مؤشراً على أن كوارث اقتصادية جديدة ستواجه كافة الطبقات الفقيرة في عموم أوروبا، ولاسيما الدول ذات الاقتصادات المتهالكة والضعيفة.
ومن المتوقع أن ترتفع نسبة الفقراء والجوعى، في أكثرية دول الاتحاد الأوروبي، في غضون السنوات القليلة القادمة، بسبب المبالغة في إجراءات التقشف العام، وفرض القيود الإضافية على قضايا الاستثمار وتضييق فرص العمل وهبوط الناتج القومي الإجمالي، وخلق اقتصاد حر، تقوده شروط السوق، وقيود المؤسسات المالية الدولية.
ويقول خبراء الاقتصاد في أوروبا، إنه كانت هناك بعض المعالجات الواضحة للأزمة الاقتصادية القديمة، تمثل بعضها في عمليات تسريح العديد من الموظفين والعمال غير المهرة والمنتجين، وإجراء تخفيضات متنوعة في التأمينات والضمانات الاجتماعية والصحية، وإعادة هيكلة بعض المؤسسات العامة، ولكن في الأزمة الاقتصادية الحالية، لم يكن لديها أية حلول سحرية، لأسباب ربما تتعلق بالتغيرات والتحولات الاقتصادية المفاجئة. فهناك بعض البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومحيط اليورو، مثل اليونان وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال، عاجزين بالفعل عن تسديد ديونهم المتراكمة على امتداد سنوات طويلة للشركات ومؤسسات النقد الأوروبية والدولية. وتقول حكومات هذه الدول، إن خزائنها المالية، مازالت تعاني الكثير من عمليات الإفلاس المتتالية، التي تتكشف أبعادها الحقيقية المدمرة، يوما بعد يوم، حتى تصل إلى مراحل صعبة، تبلغ فيها حافة الهاوية.